تقاريرمنوعات

إدارة ملف الهجرة غير الشرعية

تقييم و مقترحات

مقدمة:

ظاهرة الهجرة غير الشرعية أصبحت القضية رقم واحد بالنسبة للإتحاد الأوروبي (الإتحاد)، و يوجد إنقسام بين الدول الإتحاد حول كيفية التعامل مع الملف، حول أيهما ذي أولوية إنقاذ المهاجرين أم منعهم من الوصول إلى .

يوم 3 أكتوبر 2013 غرقت مركب على متنها ما يقارب 500 مهاجر بالقرب من شواطيء جزيرة لمبيدوسا الإيطالية، نجم عن هذه الكارثة، الأكبر آنذاك، غرق 274 مهاجر و نجاة 155 مهاجر و ظل عدد كبير في عداد المفقود. تلك الكارثة أثارت الرأي العام في إيطاليا و قامت البحرية الإيطالية بإطلاق عملية بحث و إنقاذ في منطقة واسعة من البحر الأبيض المتوسط وصلت إلى مسافات قريبة من المياه الإقليمية الليبية. العملية أطلق عليها إسم (Mare Nostrum)، تعني “بحرنا” كما كان الرومان يطلقون على البحر الأبيض المتوسط، و بدأت العملية بتاريخ 18 أكتوبر. الإتحاد الأوروبي أعتمد العملية و تعهد بتغطية 90% من تكلفة العملية لمدة سنة، و لكن معارضة بعض الدول و في مقدمتها بريطانيا توقفت العملية بتاريخ 31 أكتوبر 2014. خلال عام تنفيذ 421 عملة إنقاذ، تم إنقاذ 151 ألف مهاجر، و تقديم 330 مهرب للعدالة.

الإتحاد استبدل عملية “Mare Nostrum” بعملية حماية الحدود “Triton” و التي تقوم بالعمل في نطاق 30 ميل بحري من شواطيء إيطاليا و مالطا. لقد قام خبراء بتحذير الإتحاد من عواقب إيقاف عملية “Mare Nostrum” و توقعوا كوارث غرق، لأن العملية الجديدة أقتصرت على دوريات بالقرب من الشواطيء الأوروبية بينما الخطر الأكبر في وسط البحر.

لماذا أوقف الإتحاد عملية “Mare Nostrum“؟

زاد إجمالي عدد المهاجرين الذين وصلوا الشواطيء الأوروبية خلال عام 2014 عن عام 2013 بنسبة 164%، و كانت الزيادة الأكبر عبر “المسار المتوسطي المركزي (Central Mediterranean Route)” حيث تضاعف عدد المهاجرين أربعة أضعاف (من 40 ألف في 2013 إلى 171 ألف في عام 2014). بريطانيا كانت حجتها أن عمليات البحث و الإنقاذ في عرض البحر “أدى إلى خلق معامل الجذب (Pull Factor)”، بمعنى أن عمليات البحث و الإنقاذ هي السبب في زيادة عدد اللاجئين، حيث شجعت المزيد من المهاجرين على عبور البحر، و بالتالي بريطانيا كانت تحاجج “أوقفوا عمليات البحث و الإنقاذ في عرض البحر و بالقرب من المياه الإقليمية الليبية، و سيتراجع عدد اللاجئين”.

خلال عام 2014 كان هناك جدل سياسي داخل دول الإتحاد حول توزيع “عادل” للاجئين بين دول الإتحاد، فقد كانت كل من ألمانيا و السويد من أكثر الدول التي تستقبل اللاجئين. فكانت الرغبة بأن يتم تحمل كل الدول مسئولية إيواء اللاجئين. بريطانيا بحكم طبيعة موقعها الجغرافي من الصعب على اللاجئين الوضول إليها بصورة غير شرعية، و من تم كانت حريصة على ألا تجد نفسها، بحكم قرار من بروكسل، ملزمة بإستقبال لاجئين.

أسباب زيادة الهجرة خلال عام 2014:

بدون شك أن الإنهيار الأمني في ليبيا نتيجة الصراع المسلح كان السبب الرئيس في إزدياد الهجرة عبر ليبيا عام 2014، حيث أصبحت الأمور أيسر للمهربين لممارسة نشاطهم. الأوضاع في ليبيا هي السبب في إختيار المهربين لها و لكن ليست السبب الذي دفع المهاجرين لمغادرة بلدانهم. خلال عام 2014 المهاجرون من سوريا و من إريتريا شكلوا قرابة 50% من إجمالي عدد المهاجرين الذين وصلوا إيطاليا عبر المسار المتوسطي المركزي.

في سوريا، خلال عام 2014، زاد عدد النازحين من الحرب هناك بنسبة 50% عن عام 2013، قرابة 4 مليون نسمة نزحوا، و بالنسبة لأريتريا، عدد طالبوا اللجوء من هذا البلد في أوروبا زاد ثلاثة أضعاف، و عدد اللاجئين منهم إلى السودان و أثيوبيا تضاعف في نفس العام (التفاصيل في الملف المرفق بهذه المذكرة).

نتائج إيقاف عمليات البحث و الإنقاذ:

توقفت عملية “Mare Nostrum” بتاريخ 31/10/2014 و أنطلقت عملية “Triton” يوم 01/11/2014، و عوضا عن تراجع أعداد المهاجرين عبر البحر، زادت و زاد معها عدد الغرقى بشكل كارثي. حسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة بلغ عدد المهاجرين الى إيطاليا عبر البحر 35 ألف مهاجر و عدد حالات الغرق قرابة 1800 غريق، هذه البيانات حتى تاريخ 11 مايو 2015، مع العلم أن موسم الهجرة يبدأ مع شهر مايو.

يوم 19 أبريل 2015 غرقت سفينة على متنها قرابة 900 راكب قبالة الساحل الليبي، هلك في هذه الحادثة قرابة 800 شخص بينهم أطفال و نساء. الحادثة الأكبر حتى الآن و قد أثارت تلك الحادثة الرأي العام الأوروبي و توجهت إنتقادات شديدة لزعماء القارة الأوروبية، فقد وقع ما تم تحذيرهم منه. يوم 20 أبريل اجتمع المجلس المشترك للشؤون الداخلية و الخارجية و أعتمدوا خطة من عشرة نقاط. يوم 23 أبريل انعقدت قمة طارئة لزعماء الإتحاد و اعتمدوا مقترحات المجلس المشترك للشؤون الداخلية و الخارجية و خلاصة القمة جاءت في تصريح رئيس المجلس الأوروبي حيث قال “إنقاذ حياة الأبرياء يمثل الأولوية رقم واحد. ولكن إنقاذ الأرواح ليست مجرد إنقاذ الناس في عرض البحر. بل هو أيضا بشأن وقف المهربين ومعالجة الهجرة غير الشرعية“.

الإتحاد يريد منع وصول المهاجرين لشواطيء دول الإتحاد، أوقفوا عمليات البحث و الإنقاذ فوقعت كارثة، الآن أصبحوا ملزمون بتوسيع نطاق عملية “Triton” لتقترب من الشواطيء الليبية، فتراجعت حالات الغرق و زاد عدد عمليات الإنقاذ، و لكن لمنع وصول المهاجرين الى شواطئهم انتقلوا الى “وقف المهربين”، أي استهداف المهربين و السفن قبل أن تغادر الشط الليبي. هذا الأمر يتطلب عمليات عسكرية ليس في عرض البحر، بل في ليبيا، استهداف المراكب البحرية قبل أن يصعد على متنها المهاجرون، و إلا لا يمكن استهدافها.

مساعي الإتحاد للحصول على غطاء دولي:

التوجه الأوروبي الجديد، الذي ربما يحمل في طياته مبررات للتدخل العسكري في ليبيا تحت حجة مكافحة الهجرة غير الشرعية و الإرهاب، هو عمليات عسكرية و لذا أصرت بعض الدول الأعضاء على ضرورة الحصول على تفويض من مجلس الأمن، قرار دولي تحت الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة. قامت مسئولة السياسة الخارجية في الإتحاد، فريدريكا مورغريني، بزيارة لواشنطن و نيويورك بعد القمة الأوروبية مباشرة، كذلك زارت الصين، في سعيها للحصول على الدعم في مجلس الأمن.

جريدة الغارديان البريطانية، بتاريخ الأحد 10 مايو 2015، نقلت عن مورغريني أن الصين “مستعدة للتعاون” و نقلا عن مصادر حكومية إيطاليا أن روسيا “كذلك مستعدة للتعاون” في مجلس الأمن، و أن بريطانيا كانت تعد مسودة قرار لتطرحه على مجلس الأمن يوم الإثنين 11 مايو بعد أن تقدم السيدة مورغريني إحاطة أمام المجلس في جلسة خاصة حضرها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عن الهجرة الدولية و مندوب عن الإتحاد الأفريقي. كلمة السيدة مورغرين كانت دفاعية، تحاول فيها شرح ماقصدته بتصريحاتها السابقة و عن حاجة الإتحاد لدعم الأمم المتحدة، و لكن لم يتم طرح مشروع قرار و لا الحديث عنه. المرجح أن الولايات المتحدة الأمريكية، التي لم يصدر عنها أي تصريح علني بخصوص مخططات الإتحاد قبل جلسة مجلس الأمن، قامت بمنع عرض مشروع القرار، ربما من خلال التهديد بإستخدام الفيتو. و قد يكون عدم التقدم بمشروع القرار هو تقدير الإتحاد للموقف، التقدم بمشروع للقرار و فشله في الإعتماد يعني أن الإتحاد سيكون مكتوف الأيدي و لن يستطيع إجراء أي عمليات عسكرية.

هذا لا يعني أن الإتحاد تراجع عن مخططاته، وزراء خارجية الإتحاد سيعلنون يوم الإثنين 18 مايو عن خطط الإتحاد لمكافحة التهريب، هذه الخطط سيتم عرضها على قمة الإتحاد المزمع عقدها الشهر القادم في بروكسيل.

الموقف الليبي:

الدولة الليبية يجب أن تتحمل مسئوليتها حيال هذه القضية، بالرغم من الظروف العصيبة التي تمر بها الدولة إلا أنه لا مناص لها من تحمل مسئوليتها، و المهم جدا الإنتباه إلى أنه من مصلحة ليبيا الشماركة في مواجهة هذه الظاهرة:

  1. عدم المشاركة يعني تحركات إحادية من طرف الإتحاد حتما ستتصاعد و تتحول إلى مواجهة عدوانية،
  2. عدم المشاركة يعني تزايد أعداد المهاجرين في ليبيا و هذه له تداعيات أمنية و إقتصادية و صحية،
  3. المشاركة ستمنح مساحة من التفاعل السياسي و الأمني مع الإتحاد و ممكن سيؤدي إلى تغيير مواقف بعض الدول الأعضاء في الإتحاد،
  4. المشاركة ستمنح الفرصة للحصول على دعم لخفر السواحل الليبية، لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية و لمراكز إيواء المهاجرين،
  5. المشاركة ستؤدي إلى تعزيز أجراءات ترحيل المهاجرين إلى بلدانهم أو بلدان ثالثة، و
  6. المشاركة ستؤدي إلى تجنب السلبيات التي تم سردها أعلاه.

المقترح:

ترددت تصريحات من دول الإتحاد و من المفوضية عن رغبتهم في التعامل مع أطراف في ليبيا من أجل التعاون بخصوص ملف الهجرة. و قد أبدت سويسرا، و هي دولة غير عضوة في الإتحاد رغبتها في التواصل مع جهة مسئولة في طرابلس بخصوص ملف الهجرة.

أهمية هذه الملف، لذاته و لكسر العزلة المفروضة على المؤتمر و حكومة الإنقاذ، من المصلحة الوطنية العليا أن يتم التحرك السريع في خصوصه و بطريقة إستثنائية. هذا الملف يحتاج الى تعاون عدة مؤسسات في الدولة؛ الخارجية و الداخلية و الدفاع و العدل، و التفاعل مع دول و مؤسسات دولية و إقليمية و بشكل مكثف. أمام صانع القرار في ليبيا ثلاثة خيارات:

  1. تتولى وزارة الخارجية إدارة الملف (تكون هي نقطة الإتصال “Contact/Focus Point”، تتواصل مع العالم الخارجي و تقوم بعملية الربط مع الداخلية والدفاع و العدل، و هي الطريقة الإعتيادية
  2. تشكيل فريق عمل: أو فريقة “أزمة” يتكون من ممثلين عن المؤسسات المعنية، الخارجية و الداخلية والدفاع و العدل،
  3. تكليف مفوض خاص بملف الهجرة غير الشرعية: بمرتبة وزير، ممكن يسمى وزير دولة لشؤون الهجرة غير الشرعية أو المفوض الخاص بشؤون الهجرة غير الشرعية، و هي الطريقة الإستثنائية.

النصيحة هي تبني الخيار الثالث لعدة أسباب:

  1. تكليف شخص بملف الهجرة غير الشرعية، بمرتبة وزير، يرسل رسالة إلى المجتمع الدولي عن جدية طرابلس في التعاون بخصوص هذا الملف،
  2. يكون مفرغ فقط لمسألة التعامل مع هذا الملف فقط و بالتالي لن ينشغل بمهام أخرى، و هذا ما يجعل هذا الخيار أفضل، لأن وزارة الخارجية لديها مهام و مسؤوليات أخرى غير هذا الملف،
  3. تعطى له الصلاحيات للتعامل مباشرة، و بضوابط، مع الأجهزة و الإدارات المعنية مما سيؤدي إلى رفع كفاءة الأداء و التفاعل مع الملف،

من المواصفات المطلوبة:

  1. إجادة اللغة الإنجليزية أو الفرنسية بطلاقة للتفاعل المباشر مع الإتحاد الأوروبي و المنظمات الدولية،
  2. خبرة بشؤون الهجرة و العلاقات الدولية،
  3. قدرات و مهارات قيادية لإدارة الملف بما يحقق المصلحة الوطنية العليا،

ملحقات:

  • Mediterranean Migrant Crisis 2015-05-12.pdf
  • The need to develop Partnership with the EU 2015-04-22.pdf
  • Illegal Migration 2015-04-21.pdf
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى