uncategorizedمنوعات

الفساد وحقوق الانسان

من اصدرات معهد شمال أفريقيا لدراسة الحوكمة

مقدمة

يعرّف الفساد بأنه استغلال السلطة أو النفوذ من أجل تحقيق مآرب خاصة، ولا يهم نوع السلطة أو النفوذ الذي يمتلكه الشخص، سواء كان موظفاً عاماً يمتلك سلطة عامة، أو رجل أعمال يمتلك سلطة في القطاع الخاص، فإن استغلال هذه السلطة من أجل الحصول على منفعة خاصة له أو لأقاربه يعد ممارسة فساد.

 لعل أبرز عوامل الفساد في المجتمع الليبي هو استمرار حالة الاضطراب ، والتي ظهرت في استمرار حالة الصراع المسلح، وتعاقب حكومات متعددة، الأمر الذي جعل من تولى مناصب إدارية عليا فرصة تاريخية لتحقيق مكاسب شخصية؛ ليتمتع المسؤولين في هذه الظروف الاستثنائية بحرية واسعة في التصرف مقابل قليل من المساءلة، وهكذا يستغل المسؤولين من أصحاب النفوس الضعيفة مواقعهم الإدارية؛ لتحقيق مكاسب شخصية وتلقي الرشوة والعمولات على حساب المجتمع وحقوقه.

إن مجرد حصول الفرد على هذه المنفعة كنتيجة لاستغلال موقعة الوظيفي، أو كنتيجة لدفع الرشوة هو في المحصلة النهائية انتهاك لحقوق الآخرين في هذه المنفعة، فإذا كان ما حصل عليه الفاسد وظيفة لابنه أو لأحد أقاربه فقد حرم منها شخصاً آخر قد يكون أكثر حاجة لهذا العمل أو أفضل تأهيلاً للقيام به، وانتهك بذلك الحق في المنافسة العادلة على الوظائف. أما إذا كان ما حصل عليه الفاسد هو تغيير لطبيعة استخدام أرضه، أو تصريح لفتح محطة محروقات، أو إعفاء من غرامة مستحقة بموجب القوانين، أو مقعدا جامعي لابنه، أو بعثة دراسية لأخيه، فإنه يكون بذلك قد انتهك الحق في المساواة والمعاملة العادلة.

 علاقة الفساد بحقوق الانسان

إن الربط بين انتهاكات حقوق الانسان والفساد لم يكن معهودا في ثقافة وعمل المؤسسات الدولية والوطنية في السابق، بل إن الكثير كان يعتقد أن قليلا من الرشوة ينشط الأعمال والمشاريع الكبرى، حتى ان بعض الدول الأوربية كانت تخصم من الضرائب المستحقة، الأموال التي تدفع رشوة للمسؤولين في دول العالم الثالث، ولم يربط البنك الدولي بين الحوكمة الرشيدة والفساد إلا في بدايات القرن الواحد والعشرين، بعد أن وصل الفساد إلى مستويات غير مسبوقة .

ولذلك يرى البعض أن المقاربة بين حقوق الإنسان والفساد لم تظهر إلا في عامي 2006 ، 2007 حتى إن منظمة الشفافية الدولية التي تد رس الفساد في مجالات متخصصة، لم تعالج هذا الأمر بدرجة مناسبة من الجدية. ومن أهم وأحدث الجهود الدولية في هذا الشأن، تقرير مجلس حقوق الإنسان النهائي المتعلق بموضوع الآثار السلبية للفساد على التمتع بحقوق الإنسان المقدم للمجلس في العام 2013م .

إن العلاقة بين الفساد وحقوق الانسان علاقة قوية جدا ، باعتبار أن انتشار الفساد ومحدودية النزاهة في مؤسسات الدولة سيؤدي حتما إلى انتهاك التزام الدولة بحقوق الانسان، والذي سيحول دون وضع البرامج والسياسات الفعالة لتعزيز حقوق الانسان، فانحراف الموظف العام عن أدائه لوظيفته عن النهج الذي يجب أن يقوم به بإرادته من شأنه أن يخلق حالة من الفساد وفي نفس الوقت ينتهك حق الانسان في التعليم والصحة والعمل أو غيرها. وبالتالي فإن انتهاكات حقوق الانسان في المجمل قد تعتبر من قبيل الفساد، وأن حالات الفساد من شأنها أن تؤدي إلى حرمان الانسان من الحصول على حقوقه المختلفة .

 تجدر الاشارة إلى أن حقوق الانسان هي حقوق غير قابلة للتجزئة ومترابطة، وعواقب الحكم الفاسد متعددة تمس جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،وكذلك الحق في التنمية ، فالإدارة الفاسدة للموارد العامة تلحق الضرر بقدرة الحكومة على تقديم الخدمات مثل : الخدمات الصحية والتعليمية، وخدمات الرعاية الضرورية لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .

أثر الفساد على حقوق الانسان

 إن الفساد عادة ما يخلق مجموعات مصالح غير مشروعة لديها هياكل سلطة غير رسمية مشابهة للمافيا تعمل ضد المصلحة العامة. ولمنع الفساد أو التصدي له، لا بد من وجود آليات قانونية وشفافية في حقل الشأن العام ومنظومة قانونية فعالة .فالمحسوبية على سبيل المثال تقوض الكفاءة وعمليات مراقبة الموارد، وبالتالي تضعف قدرة الإدارة العمومية على صياغة وتنفيذ السياسات فتحرم الناس، ولا سيما أشدهم ضعفا وحاجة ( المهمشين) من تلبية احتياجاتهم، لأن الفساد إذا انتشر تفرض طبيعته تقييد الحقوق المدنية والسياسية، باعتبار أن مفاعيله تعمل على تحول موارد الدولة عن مسار استخدامها في الشأن العام، لتصبح الحكومات عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها في مجال الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية . لتظهر آثار الفساد على حقوق الانسان في صور عدة، مثلا : انتهاك حقوق الآخرين التعليمية، بالحصول منحة دراسية خارج البلاد هي حق لآخر، بعد دفع رشوة لأحد الموظفين أو عن طريق الواسطة والمحسوبية، كما قد يمس الفساد بحق الإنسان في العمل، فلا يتم تطبيق إجراءات عمل موحدة في تفتيش مؤسسات العمل، كما قد يشكل افساد تهديدا للحق في الحياة، عندما يتم التلاعب في مواصفات السلع والخدمات وجودتها، وعندما يتم تسويق سلع ضارة بصحة الانسان، أو عندما لا تتم الرقابة على مواصفات البناء، أو لا تتم المراقبة على خدمة الكهرباء.

كما قد يؤثر الفساد في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، جراء فساد أصحاب المراكز العمومية والمقاعد البرلمانية، وتزوير الانتخابات أو شراء الأصوات من مسؤول، بالإضافة إلى الفساد في تمويل الأحزاب السياسية، والذي تكون نتيجته فشل المؤسسات الرسمية في اتخاذ القرارات التي تخدم حقوق الانسان ( المواطن ).

كما ان الفساد قد يطال مجال سيادة القانون مثل رشوة القاضي لكي يحكم لصالح الراشي ،أو قيام ضابط أمن باعتقال أشخاص على غير وجه شرعي؛ لكي يطلب رشوة من أجل الافراج عنه .

سبل حماية حقوق الإنسان من الفساد

  • بناء استراتيجية لمكافحة الفساد تسترشد بمبادئ حقوق الانسان الرئيسية، مثل استقلال القضاء ،وحرية الصحافة ،والتعبير والوصول إلى المعلومات والشفافية في النظام السياسي، والمساءلة .
  • ترسيخ آليات مستقرة لمكافحة الفساد، مثل دواوين المظالم، ومؤسسات وطنية لحقوق الإنسان ، وتحديدا الجهاز القضائي بوصفه ” المؤسسة المحورية ” لمعالجة ظاهرة الفساد وحقوق الانسان .
  • التدريب والتثقيف عن آثار الفساد السلبية على حقوق الانسان، والتواصل مع الهيئات والمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني؛ لتبادل المعلومات حول مكافحة الفساد وحقوق الإنسان .
  • التركيز على النهوض بالحوكمة الرشيدة الشاملة، وتطوير التفاعل المجتمعي من خلال تحفيز انخراط جميع الفاعلين في محاربة الفساد، في المجلات التي تمس الحقوق المعترف بها: كالصحة و العمل و التعليم.
  • إصدار مواد ملزمة لحماية النقابيين و المبلغين في أماكن العمل ” التجاوزات المترتبة عن قضايا الفساد و التي تؤدي الى معاقبة العامل”, و تجريم قضايا الفساد التي لها صلة مباشرة بحقوق الإنسان .
  • حث أو إلزام وجود حقوقيين في الهيئات الحكومية لمكافحة الفساد , و الزام هذه الهيئات على احترام او الالتزام بالتوصيات التي تصدرها الجمعيات او الهيئات الحقوقية في تقاريرها.

الخاتمة

 إن الدول التي توصف بانها الأكثر فسادا، هي بالضرورة الدول الاكثر انتهاكاً لحقوق الإنسان، وإن افضل الدول احتراما لحقوق الإنسان، هي بالضرورة الدول الأفضل في الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. فقد قال أرسطو قبل أكثر من ألفي عام إن الفساد يعني وفاة الديمقراطية، واليوم يمكن القول إن غياب الديمقراطية الحقة في “ليبيا” يعني عدم وجود حوكمة رشيدة، والنتيجة تدهور حقوق الإنسان، ولذلك يجب أن يظل التعامل مع الفساد بمقاربة مبنية على أساس أن الفساد يشكل انتهاكاً بالغا لحقوق الإنسان، باعتبار أنه يؤدي إلى إلحاق بالغ الأذى بمصالح الأفراد والجماعات، إن هذه المقاربة يمكن أن تؤدي إلى كسب التأييد لجهود مكافحة الفساد من قبل العديد من الفئات: كنشطاء المجتمع المدني، والمؤسسات الإعلامية، ومنظمات حقوق الإنسان، بل وحتى من قبل الموظفين العموميين، والبرلمانيين والقضاة، والمحامين، ورجال الأعمال. ومن شأن هذا الاهتمام أن يؤدي إلى تحسن أوضاع حقوق الإنسان في الوقت نفسه.

إن الربط ما بين أفعال الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان تفتح كذلك آفاقاً جديدة للعمل في مجال مكافحة الفساد، خاصة إذا تم استخدام الآليات المتعددة الوطنية والإقليمية والدولية لمراقبة أوضاع وانتهاكات حقوق الإنسان التي تم تطويرها خلال الستين سنة الماضية، منذ إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بطريقة خلاقة في مجال مراقبة الفساد.

المراجع

  • أفضل الممارسات في جهود مكافحة آثار الفساد السلبية على التمتع بجميع حقوق الانسان ، تقرير مفوض الامم المتحدة لحقوق الانسان ،مجلس حقوق الانسان الدورة 32،الجمعية العامة للأمم المتحدة ، 2016م .
  • مقررحقوق الانسان لكليات جامعة السويس ،د. مجموعة مؤلفين ،جامعة السويس ، الشبكة العنكبوتية .
  • العلاقة بين حقوق الانسان والفساد، معن شحادة دعيس، الهيئة المستقلة لحقوق الانسان “ديوان المظالم ” ،رام الله ، 2016م .
  • الفساد وحقوق الانسان مقاربة جديدة ، المفوض العام لحقوق الإنسان في الأردن، ورئيس الفريق الدولي المخصص للتفاوض بشأن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، منشورة على الموقع الإلكتروني لصحيفة الغد الأردنية، يوليو 25, 2011.
  • التداعيات الاجتماعية للفساد الاداري والمالي على الدولة والمجتمع – رؤية تحليلية لحالة لعراق ،م.د. عبد الواحد مشعل، جامعة بغداد، الشبكة العنكبوتية .
  • تأثير ظاهرة الفساد الإداري على حقوق الانسان والتنمية البشرية في الجزائر،فضيلة بوطورة، نوفل سمايلي ،مجلة حكم القانون ومكافحة الفساد ، جامعة العربي التبسي- الجزائر .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى