بحسب تقرير قانوني جديد حصلت الإندبندنت على نسخة حصرية منه الرأي القانوني ،يُعتقد بأن قوات الجنرال حفتر عذّبت المدنيين وقتلتهم، وشوهّت الجثث في المدينة الشرقية
كشف محامون حقوقيون في لندن عن أنه من المحتمل أن تكون القوات الموالية لقائد عسكري ليبي قوي كان يحظى ذات مرة بدعم الغرب ارتكبت جرائم حرب في مدينة درنة بشرق البلاد. وحث المحامون المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في حالات التعذيب والقتل وتشويه الجثث هذه.
ويشير الرأي القانوني، الذي حصلت صحيفة الإندبندنت على نسخة حصرية منه، إلى أن ذلك يعتبر أول مرة تُتهم فيها قوات الجنرال خليفة حفتر رسمياً بارتكاب جرائم حرب في المدينة الساحلية الواقعة تحت سيطرتها منذ الصيف الماضي.
وتعتزم منظمة “تضامن حقوق الإنسان” الليبية التي تتخذ من جنيف مقراً لها، والتي كلفت إعداد التقرير، تقديمه إلى المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية خلال الأسابيع المقبلة.
وقد توصّل محامي حقوق الإنسان، رودني ديكسون، من منظمة “Temple Garden Chambers”، إلى هذا الاستنتاج بعد دراسته للعديد من مقاطع الفيديو والصور التي اُلتقطت في درنة ونُشرت على الإنترنت، والتي تدعي قيام الجيش الوطني الليبي الذي ينتمي إليه الجنرال حفتر بإطلاق النار على مدنيين غير مسلحين، وتشويه الجثث، والقصف العشوائي للمناطق السكنية.
وقد اتهمت جماعات حقوقية مراراً الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على مساحات من الأراضي في شرق وجنوب ليبيا، بارتكاب جرائم حرب في مدن مثل بنغازي.
وفي يوليو/تموز الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً ثانياً بإلقاء القبض على محمود الورفلي، قائد القوات الخاصة “للفريق حفتر”، بعد ظهور أشرطة فيديو عديدة على الإنترنت تعرض قيامه بقتل مقاتلين أسرى.
إلا أن التقرير الجديد يسلط الضوء الآن على مزاعم الانتهاكات في درنة.
ويذكر التقرير أن “هذه الأدلة تُظهر على ما يبدو ارتكاب جرائم حرب متمثلة في القتل والتشويه والتعذيب والمعاملة القاسية والاعتداء على الكرامة الشخصية واستهداف المدنيين”.
وفي قسم آخر يشير التقرير إلى أنه، “لا بد من التحقيق مع الجناة وقادتهم للحصول على كل الأدلة المتاحة حتى يمكن تقديم المسؤولين إلى العدالة”.
كما تابع التقرير أنه، “في حال لم يتم إجراء تحقيقات داخلية حقيقية، يجب أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية الذي لها صلاحية قضائية بالشأن الليبي بإجراء هذه التحقيقات”.
وقد أنكر الجيش الوطني الليبي سابقاً مزاعم الإساءة، رفض التعليق على الاتهامات الأخيرة في بيان مرسل إلى صحيفة الإندبندنت يوم الخميس.
لكن قالت منظمة “التضامن لحقوق الإنسان”، التي حققت أيضاً في تصرفات القوات المعارضة للفريق حفتر والمقيمة في طرابلس، إن الأمم المتحدة ووسائل الإعلام فشلت في إلقاء الضوء على الانتهاكات المتفشية المرتكبة في أنحاء البلاد.
ويقول أحمد القصير، باحث حقوق الإنسان في المنظمة، ” يمثل هذا أول رأي قانوني سيُقدم للمحكمة الجنائية الدولية تجاه الانتهاكات واسعة النطاق في درنة. لقد سبق وأن تم اتهام قوات الجنرال حفتر بارتكاب جرائم خلال الحصار، إلا أن هذا التقرير يكشف عن وجود الكثير من الانتهاكات. هناك إفلات واسع النطاق من العقاب في ليبيا، فالناس يرتكبون الجرائم هناك ويقومون حتى بتوثيقها. ولا يتم معاقبة أحد، لذا، عملنا خلال السنوات الثلاث الماضية على محاولة تقديم بعض المساءلة “.
قاد الجنرال حفتر الجيش الوطني الليبي منذ عودته إلى ليبيا ربيع عام 2011 من منفاه في الولايات المتحدة. ورغم تزايد الأدلة التي تتحدث عن سوء المعاملة، إلا أنه خلال السنوات القليلة الماضية تم استدعاؤه من قبل العديد من الدول بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وروسيا ومصر كلاعب رئيسي وقائد محتمل في ليبيا.
وقد ظل لسنوات موالٍ لحكومة منافسة قابعة في مدينة بنغازي الشرقية تعارض الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة في طرابلس، لكن في عام 2017 وافق على التحالف مع رئيس الوزراء فايز السراج للمساعدة في إجراء انتخابات وطنية.
وفي يونيو/حزيران من العام الماضي سيطرت قواته على درنة، التي كانت تحت سيطرة جماعة مرتبطة بالقاعدة اسمياً، بعد أن فرض حصاراً على المدينة ومنع دخول المساعدات إليها وعودة العائلات إلى منازلها. في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كشفت هيومن رايتس ووتش عن أن الجماعات المسلحة الموالية للجيش الوطني الليبي ربما أعدمت ما يصل إلى 36 رجلاً في بلدة أبيار، على بعد حوالي 30 ميلاً شرق بنغازي. وفي فبراير/شباط من العام الماضي قالت هيومن رايتس ووتش إنه تم منع عودة العائلات النازحة إلى بنغازي.
يذكر الرأي القانوني الجديد عدة حوادث يمكن أن ترقى إلى جرائم حرب، منها حادثة تم تصويرها باستخدام هاتف خلوي تُظهر تعرض مدنيين غير مسلحين في درنة لإطلاق النار بشكل متكرر وهم ممدون على الأرض، حتى بعد أن يبدو أنهم قد ماتوا. وفي مقاطع أخرى، يتم تشويه الجثث، وتعليقها من أبراج الرشاشات الآلية، ووضعها على آلات الحفر بما يصفه التقرير أيضاً بأنه اعتداء على الكرامة الشخصية. كما ذكر التقرير وجود مقاطع فيديو عديدة أخرى تُظهر إطلاق النار على المدنيين وإجبار الضحايا على إزالة سراويلهم قبل إعدامهم.
ويخلص الرأي إلى أن الجرائم التي تظهر في مقاطع الفيديو والصور يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية. ويحث المجتمع الدولي على التحقيق مع القادة العسكريين بمن فيهم الجنرال حفتر الذي يحتمل أن يكون قد أمرهم بارتكاب المخالفات أو وجّه بارتكابها، أو لعدم قيامه بواجبه في منع الجرائم التي يرتكبها مرؤوسوه بشكل فعال أو معاقبة مرتكبيها.
وخلص التقرير إلى القول: “إنها جريمة ضد الإنسانية إذا أمكن إثباتها بجميع الأدلة أنها اُرتكبت كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد السكان المدنيين في درنة. إن التحقيق والملاحقة القضائية للتسلسل القيادي أمر مهم للغاية من أجل إثبات السجل الكامل للنشاط الإجرامي، وضمان المساءلة والعدالة، وردع حدوث جرائم مماثلة في النزاع في المستقبل”.
وقد عادت الحرب الأهلية إلى ليبيا في عام 2014 عندما أطاحت ميليشيات إسلامية بجماعات مسلحة متحالفة مع الجنرال حفتر من طرابلس. في هذه الأثناء، قاتلت قوات الجنرال في الشرق لتخليص ثاني أهم مدينة في البلاد، بنغازي، من المليشيات والجهاديين.
كان الجنرال حفتر قائداً لجيوش العقيد القذافي حتى عام 1987 عندما تم احتجازه كأسير حرب خلال النزاع الليبي الكارثي مع تشاد. بعد تخليه عن القذافي، حاول الإطاحة به وعندما فشل ذلك طلب اللجوء في نهاية المطاف إلى فرجينيا في الولايات المتحدة.
في يناير / كانون الثاني، أمر الجنرال حفتر رسمياً ببدء “العمليات العسكرية الشاملة” في جنوب ليبيا للتصدي للجهاديين والمجموعات المسلحة الأخرى في المنطقة وحماية المنشآت الرئيسية.
.