الأخبارتقارير

اليوم العالمي لحرية الصحافة

Ref: PRS 2025/05/10333 مايو 2025

“حرية الصحافة مهددة في كل المناطق حول العالم، حيث إن الحكومات والقادة يفشلون في واجبهم في حماية الإعلام الحر والمستقل، الذي يبقى “أفضل ترياق للتضليل والمعلومات الكاذبة”[1]

يوم الثالث من مايو هو بمثابة تذكير للحكومات بضرورة الوفاء بالتزاماتها تجاه حرية الصحافة، وهو يتيح للمهنيين العاملين في وسائل الإعلام فرصة التوقف على مسائل حرية الصحافة والأخلاقيات المهنية. وإنَّ اليوم العالمي لحرية الصحافة هو فرصة للوقوف إلى جانب وسائل الإعلام الملجومة والمحرومة من حقها في ممارسة حرية الصحافة، وهو يوم لإحياء ذكرى أولئك الصحفيين الذين قضوا نحبهم في أثناء متابعتهم لأحد المواضيع[2].

يركز يوم حرية الصحافة العالمي 2025 على تأثير الذكاء الاصطناعي على حرية الصحافة، وتدفق المعلومات بحرية، واستقلالية الإعلام، والهدف العالمي المتمثل في ضمان الوصول إلى المعلومات وحماية الحريات الأساسية. وقد اختارت الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو شعار هذا العام، وهو “حرية التعبير في مواجهة ثورة الذكاء الاصطناعي”، للتوعية بما بقدرات الذكاء الاصطناعي في دعم حرية التعبير “من خلال تسهيل الوصول إلى المعلومات، والسماح لعدد أكبر من الناس بالتواصل في جميع أنحاء العالم، وتغيير كيفية تدفق المعلومات على مستوى العالم“، ومخاطر الذكاء الاصطناعي من خلال استخدامه في نشر “معلومات كاذبة أو مضللة، وزيادة خطاب الكراهية على الإنترنت، ودعم أنواع جديدة من الرقابة. وتستخدم بعض الجهات الفاعلة الذكاء الاصطناعي للمراقبة الجماعية للصحفيين والمواطنين، مما يخلق تأثيرًا مخيفًا على حرية التعبير[3].

تراجعت حرية الصحافة في العالم وإن بشكل ودرجات مختلفة، حسب تقرير[4] منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة حول العالم لعام 2024. حيث سجلت مراسلون بلا حدود تدهوراً صارخاً في المؤشر المتعلق بهذا الجانب حول العالم. وفقا للتقرير، احتلت ليبيا[5] المرتبة 143، فيما كانت في المرتبة 149 في تقرير عام 2023، الذي يصنف حرية الصحافة ووسائل الاعلام في 180 بلدا. صعود ليبيا في المؤشر 6 درجات ليس بسبب تحسن حرية الصحافة في ليبيا، ولكن لتدهور حرية الصحافة في دول أخرى بدرجة أكبر. ووصف تقرير المنظمة المشهد الإعلامي في ليبيا بأن الدولة “أصبحت ليبيا بؤرة سوداء حقيقية على المستوى الإعلامي، حيث غادر البلاد معظم الصحفيين ووسائل الإعلام. أما من اختاروا البقاء، فإن شغلهم الشاغل بات الحفاظ على سلامتهم من خلال العمل تحت حماية أحد أطراف النزاع، بينما لم يعد بإمكان الصحفيين الأجانب تغطية الأحداث الجارية على الأرض“.

وسائل الإعلام والصحافة في ليبيا تدفع ثمناً باهظاً جراء حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي يشهده البلد منذ سنوات، وما يصاحبه من نزاعات مسلحة. ففي هذا السياق، تواجه وسائل الإعلام والصحفيين أزمةٌ لم يسبق لها مثيل، حيث باتت الأطراف المتناحرة تزج بالعديد من الفاعلين الإعلاميين في مستنقع الصراع. بالإضافة إلى استخدام وسائل الإعلام كأداة دعائية، فإن الجهات السياسية والعسكرية الفاعلة في الصراع الليبي نصَّبت نفسها وصية على المنابر الإعلامية فارضة رقابة على ما تنشره من معلومات[6].

لا يزال الاعلاميون في ليبيا يتعرضون للعديد من الانتهاكات والتضييق. في شهر يوليو 2024 أعلنت عائلة الإعلامي أحمد السنوسي[7] أنها فقدت الاتصال معه، وتبين خلال ساعات أن ما يُعرف بجهاز الأمن الداخلي في طرابلس هو من قام بعملية الاعتقال لعدة أيام بعد تعرضه للمعاملة المهينة والتهديد بهتك العرض، حسب ما صرح الإعلامي بعد الإفراج عنه. السنوسي غادر ليبيا مباشرة وتقدم بطلب حماية في إحدى دول الإتحاد الأوروبي ليمارس عمله من هناك.

شهر سبتمبر 2023، فرضت المجموعات المسلحة تحت إمرة خليفة حفتر إجراءات أمنية في مدينة درنة[8]، بعد تعرضها لأكبر كارثة في تاريخها، عزلت المدينة إعلامياً وقطعت الاتصالات عنها، بعد تظاهر مئات المواطنين في المدينة مطالبين بالتحقيق في الفيضانات المدمرة التي اجتاحت المدينة يوم 11 سبتمبر ومحاسبة المسؤولين عن الفشل الذريع في أداء الواجب[9].

تأتي هذه الحوادث في سياق متواصل من الانتهاكات والتضييق على العاملين في الإعلام في ليبيا. نشر المركز الليبي لحرية الصحافة تقرير[10] وثق منذ 1 مايو 2019 إلى 30 أبريل 2020 (70) اعتداءً متفاوت الخطورة، وصل في بعض الأحيان إلى التهديد والشروع في القتل. ورصدت المنظمة الليبية للإعلام المستقل[11] (21) انتهاكًا ضد الصحفيين في ليبيا خلال الفترة من 15 مايو 2022 حتى 15 مايو 2023. تنوعت الاعتداءات من اعتداءات على صحفيين وانتهاكات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بواقع (19) انتهاكًا، وقوانين وإجراءات غير متوافقة مع المعايير الدولية لحرية الصحافة بواقع انتهاكين اثنين. بالإضافة إلى جملة من الانتهاكات الخطيرة الأخرى كالإخفاء القسري والاعتقال التعسفي[12] والضرب والإيذاء والطرد التعسفي والمنع من العمل والهجمات والتصعيد ضد وسائل الإعلام وصولا إلى الملاحقة القانونية والقضائية.

إلا أنه بسبب التهديدات المباشرة وغير المباشرة، اُجبر العديد من الصحفيين إما لترك مهنة الصحافة أو مغادرة ليبيا بحثا عن مكان آمن. إذ حل تقديم شكاوى التشهير في حق الصحفيين، أو التهديد برفع شكاوى تشهير بسبب أعمالهم الصحفية، والتهديد والمضايقة والاعتداء الجسدي في المرتبة الثالثة ضمن الانتهاكات التي وثقتها المنظمة الليبية للإعلام المستقل[13]. بالإضافة إلى انتهاكات أخرى مثل مصادرة أجهزة الحواسب والهواتف[14]، أو مواد صحفية. وبلغت نسبة الصحفيين الرجال الذين تعرضوا للانتهاكات 84%، والنساء الصحفيات[15] 16%.

وبالنسبة للصحفيين غير الليبيين وُضعت العراقيل أمام دخولهم ليبيا، دون وجود ضوابط محددة. ودعى المركز الليبي لحرية الصحافة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، إلى الوفاء بتعهداته وإلغاء كافة القيود والإجراءات الإدارية والأمنية التعسفية المسبقة والمعرقلة لدخول الصحافيين إلى البلاد. وذلك بعد منع الصحافي والباحث التونسي محمد اليوسفي من دخول البلاد في إطار عمله مع المركز الذي وجه دعوة للصحفي والباحث التونسي محمد اليوسفي للمشاركة بورقة بحثية في إطار الندوة التي كان ينظمها المركز الليبي لحرية الصحافة حول الإعلام والانتخابات[16].

ومن القوانين المعيبة التي تحتوي على مخالفات للمعايير الدولية القانون رقم (5) لسنة 2022 “بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية”، الذي أصدره مجلس النواب الليبي في 27 سبتمبر 2022، دون التشاور مع الجهات المعنية بالصحافة والنشر الإلكتروني أو تقنية المعلومات لوجود نصوص فضفاضة تمس حرية الصحافة والحق في حرية التعبير. كما أعطي القانون جهات تنفيذية غير ذات صلة، ودون إذن قضائي، صلاحية الرقابة الشاملة فيما يتعلق بالمحتوي الإعلامي مع إمكانية حجب المواقع والمحتوي.

وفي هذا اليوم تؤكد التضامن على أهمية تذكير وسائل الإعلام الليبية من جديد، العامة منها والخاصة، في هذا الوقت الراهن الذي تعاني فيه ليبيا من صراع جبهات متنوعة، من خطر استمرار خطاب التحريض والعنف، ومخاطر التضليل الإعلامي[17]، الذي يساهم فيه الجميع، فلم يعد هناك معايير تحكم المهنة ولا سلطات مختصة تحاسب المخالف منها. كما توصي التضامن بضرورة تبني المؤسسات الإعلامية والعاملين في الإعلام ميثاق شرف ومدونات سلوك لتنظم عمل وسائل الإعلام الرقمية في ليبيا.

ليبيا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى إعلاميين وصحفيين يحافظوا على استقلاليتهم وينحازوا فقط إلى الوطن، انحياز لا يمكن بأي حال من الأحوال أو تحت أي ظرف أن يبرر خطاب الكراهية والتحقير والتحريض على العنف والتضليل.

منظمة التضامن لحقوق الإنسان

طرابلس – ليبيا

3 مايو 2025

[1]  أخبار الأمم المتحدة: “مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: حرية الصحافة مهددة عالميا والذكاء الاصطناعي يقدم فرصا ويعمّق المخاطر“، 2 مايو 2025.

[2]  منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو): “اليوم العالمي لحرية الصحافة“.

[3] الأمم المتحدة: “اليوم العالمي لحرية الصحافة“،3 مايو 2021.

[4]  منظمة مراسلون بلا حدود: “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2024: الصحافة تحت الضغوط السياسية“.

[5]  منظمة مراسلون بلا حدود: “تصنيف ليبيا في تقرير حرية الصحافة لعام 2024“.

[6] تفيد العديد من المقابلات التي أجراها باحثون بالمركز الليبي لحرية الصحافة مع صحفيين وعاملين بقطاع الإعلام في مُدن كبنغازي وطبرق والبيضاء حالة الاستياء والتذمر الكبير، جراء أعمال القمع المُمنهجة الاستبداد الذي يُعانونه من ممارسات مليشيات قبلية ودينية تتبع قيادة قوات الجنرال حفتر، فضلاً عن جهاز الأمن الداخلي بالحكومة الموازية تقول م. ع. وهي صحفية مُستقلة تعمل لصالح وكالات أنباء دولية “إن الأمن الداخلي يفرض على كُل الصحفيين تعبئة نموذج يحتوي على ضرورة الإفصاح عن معلومات شخصية واسعة والتوقيع عليها، وإرغامك بعدم إجراء أي مقابلات أو تقارير أو تصوير أي شيء إلا بعلمهم، ويحددون لك مواضيع صحفية معينة من زوايا يرونها هم فقط”، وتُضيف: “سطوة الأمن الداخلي وصلت إلى حظر أي أنشطة تقوم بها المنظمات غير الحكومية، وأخذ كشوفات المُشاركين، ناهيك عن اعتقال العديد من الزملاء المصورين الصحفيين أو المراسلين الميدانيين، وفي بعض الأحيان ضربهم أمام الجميع في محافل عدة، بل ويرغمونك على إضافتهم عبر حسابك الشخصي بموقع (Facebook) لمراقبة كتاباتك وآرائك”، المركز الليبي لحرية الإعلام: “الإعلام الليبي رهينة الاحتدام العسكري“، التقرير السنوي (2019/2020).

[7]  موقع بوابة الوسط الإخباري: “عائلة الإعلامي أحمد السنوسي تفقد الاتصال معه ومصادر لـ«بوابة الوسط» : اعتقلته جهة أمنية في طرابلس“، 11 يوليو 2024.

[8]  منظمة العفو الدولية: “ليبيا: ارفعوا القيود المفروضة على وسائل الإعلام وسهّلوا جهود الإغاثة في أعقاب الفيضانات الكارثية“، 22 سبتمبر 2023.

[9]  اجتاحت عاصفة “دانيال” منطقة شرق البحر المتوسط، من الفترة 5 سبتمبر إلى 11 سبتمبر 2023. العاصفة اجتاحت سواحل اليونان وتركيا، تسببت في خسائر مادية كبيرة، ولكن الخسائر في الأرواح كانت محدودة جدا. يوم 8 سبتمبر وصلت العاصفة شواطئ شرق ليبيا، من سهل بنغازي إلى منطقة الجبل الأخضر. لم تقم مؤسسات الدولة الرسمية والأجسام الموازية لها بأي إجراءات على الأرض لحماية المواطنين، رغم أن مراكز الأرصاد الجوي في إيطاليا ومالطا نشرت يوم 4 سبتمبر تحذيرات بشأن العاصفة. الفشل الذريع في أداء الواجب أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح، في منطقة البيضاء ونواحيها قرابة 200 شخص لقوا حتفهم وفي مدينة درنة كانت الخسائر في الأرواح جسيمة، آلاف القتلى والمفقودين، إضافة إلى دمار كبير لحق البنية التحتية والمباني الخاصة والعامة.

[10] المركز الليبي لحرية الإعلام: “الإعلام الليبي رهينة الاحتدام العسكري“، التقرير السنوي (2019/2020).

[11]  المنظمة الليبية للإعلام المستقل: “التقرير السنوي لحرية الصحافة في ليبيا في الفترة من 15 مايو 2022 إلى 15 مايو 2023“، 20 مايو 2023.

[12]  منظمة مراسلون بلا حدود: “الصحافة في ليبيا تئن تحت تهديد الميليشيات“، بينما تعرض على الريفاوي، مراسل قناة 218 نيوز الليبية الخاصة للخطف في سرت بتاريخ 26 مارس 2022 وأُفرج عنه بتاريخ في 5 يوليو 2022، أي بعد مرور أكثر من مائة يوم في الأسر.

[13]  المرجع السابق.

[14] وكالة الغيمة: “منظمات حقوقية تدين الاعتداء على الزميل المعتصم الحراري“، 12 يناير 2023. تعرض المصور الصحفي لوكالة الغيمة الليبية للأخبار، المعتصم بالله الحراري، للاعتداء اللفظي والجسدي ومصادرة كاميرته ومسح المادة الإعلامية المسجلة أثناء تغطية احتفالية حكومية بفندق الريكسوس في طرابلس يوم 24 ديسمبر 2022.

[15] تم منع الصحفية ربيع حباس من أداء عملها من قبل المنظمين لملتقي عضوات المجالس البلدية المنعقد بفندق المهاري (طرابلس) بتاريخ 26 يوليو 2022 والذي تشرف عليه وزارة الحكم المحلي بحكومة الوحدة الوطنية.

[16]  المركز الليبي لحرية الصحافة: “على رئيس الحكومة الإيفاء بتعهداته وإلغاء كافة القيود والإجراءات  الإدارية والأمنية التعسفية المُسبقة“، 27 فبراير 2023. وقد سبق لليوسفي أن عمل مع المركز لأشهر طويلة على إعداد دليل توجيهي حول التغطية الصحفية للمسارات الانتخابية من خلال المعايير الدولية والتجارب الديمقراطية. وأضاف المركز أنه فوجئ برفض سلطات أمن مطار معيتيقه دخول اليوسفي إلى طرابلس يوم الجمعة الماضي، بحجة عدم وجود ما يسمونه ترخيصا أمنيا للدخول إلى الأراضي الليبية، رغم التوضيح المسبق بأنه ليس في مهمة صحفية في ليبيا، بل إن غرض الزيارة بحثي أكاديمي صرف.

[17]  تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، عن حرية الصحافة في عام 2023، سلط الضوء على تأثيرات التضليل الإعلامي في النظام الرقمي العالمي وتطبيقات “الذكاء الاصطناعي التوليدي”. وذهب التقرير إلى أن ” آلة التضليل تنشر المعلومات الزائفة على نطاق واسع، … وأظهر أن الذكاء الاصطناعي يستوعب المحتوى لإعادة صياغته في قالب يغض الطرف عن الدقة والموثوقية “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى