الأخبارتقارير

اليوم العالمي للعمل الإنساني[1]

اليوم العالمي للعمل الإنساني[1]

التحديات لا توقف الإنسانية، تضحيات من أجل الأمل في ليبيا

في ظل الأوضاع الإنسانية المعقدة التي تمر بها ليبيا منذ أكثر من عقد، يأتي اليوم العالمي للعمل الإنساني ليذكرنا بالتضحيات الكبيرة التي يقدمها العاملون في المجال الإنساني، والذين يواجهون تحديات استثنائية في بيئة تتسم بالنزاعات المسلحة، وانعدام الأمن، وتفاقم الأزمات الإنسانية. ويشكل هذا اليوم فرصة لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لإنقاذ الأرواح، وتقديم المساعدة للفئات الأكثر ضعفًا، بما في ذلك النازحين داخليًا، والمهاجرين، وطالبي اللجوء، والمجتمعات المحلية المتضررة، رغم المخاطر الجسيمة ونقص الموارد.

مع ارتفاع الاحتياجات الإنسانية بشكل قياسي في جميع أنحاء العالم، رسالة اليوم العالمي للعمل الإنساني لهذا العام أن المنظومة الإنسانية بلغت أقصى حدود طاقتها ــ مثقلة بالأعباء، شحيحة الموارد، ومعرّضة لهجمات متزايدة. أضحى العاملون في المجال الإنساني، الذين هم خط الدفاع الأخير، يذودون عن البشر ويكفلون بقاءهم، أضحوا، في كثير من الأحيان، أهدافا مباشرة للهجوم. ففي عام 2024 وحده، أزهقت أرواح أكثر من 360 عاملا إنسانيا، 200 منهم في غزة وحدها، ما جعله العام الأكثر فتكا على الإطلاق، ويُخشى أن يكون عام 2025 أشد نكبة.

وفقًا للتقرير الدولي “لمحة عامة العمل الإنساني العالمي 2025″، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية[2] (OCHA)، سيحتاج 305 ملايين شخص حول العالم في عام 2025 إلى المساعدة الإنسانية والحماية بشكل عاجل في ظل تصاعد أزمات عديدة تسفر عن عواقب وخيمة يتأثر بها المتضررون من هذه الأزمات. وأطلقت الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة نداءً لجمع ما يزيد عن 47 مليار دولار لمساعدة ما يقرب من 190 مليون شخص[3] عبر 72 دولة بحلول عام 2025.

بالنسبة لليبيا، خطة الاستجابة للأزمة الليبية[4] 2025-2026، التي وضعتها منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، تستهدف توفير الاحتياجات الإنسانية لـ 400 ألف شخص من النازحين داخلياً[5]، والمهاجرين[6] واللاجئين[7]، تتطلب تمويل قدره 93.14 مليون دولار، منهن 53.54 مليون دولار مصنفة بأنها أولويات حرجة. تركز على معالجة الأزمة الإنسانية المستمرة. تؤكد الخطة على نهج متعدد القطاعات، يشمل توفير الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى، وتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، وتعزيز خدمات الحماية. كما تسلط الضوء على أهمية التخفيف من حدة النزاعات، وإدارة النزاعات المجتمعية، والجهود المبذولة لمنع التطرف العنيف. وتهدف الخطة إلى التحول نحو نهج أكثر تركيزًا على التنمية، من خلال العمل مع الحكومة الليبية وشركاء آخرين لبناء القدرة على الصمود والحلول المستدامة.

ورغم الجهود المستمرة التي تبذلها الوكالات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني للوصول إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين، لا يزال العمل الإنساني في ليبيا يواجه قيودًا صارمة. فعلى الرغم من التحسن الأمني النسبي الذي شهدته البلاد[8]، والذي أتاح لبعض الوقت تحسين أوضاع شرائح من الفئات الضعيفة والهشة، سرعان ما تلاشى هذا التحسن أمام واقع الانقسام السياسي الحاد، والتضييق على مؤسسات المجتمع المدني. وقد أدى ذلك إلى فرض قيود على حرية الحركة وصعوبة الوصول الإنساني إلى مناطق كاملة، مما حرم آلاف الأشخاص من حقهم في المساعدة الطارئة، وأضْعَفَ قُدرة المنظمات غير الحكومية على أداء دورها في إنقاذ الأرواح وحماية الكرامة الإنسانية.

يعاني المهاجرون وطالبو اللجوء في ليبيا من أوضاع إنسانية متدهورة، حيث حُرم عدد كبير منهم من الحصول على المساعدات الأساسية، خصوصًا مع تزايد أعداد النازحين القادمين من السودان واستقرارهم في مناطق وقرى نائية تفتقر إلى أي وجود فعّال للوكالات الدولية. وحتى في المناطق التي تصل إليها هذه الوكالات، فإن قدراتها المحدودة لا تكفي لتلبية الاحتياجات الهائلة. وفي الوقت ذاته، حُرم كثير من المهاجرين من حقهم في الرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية نتيجة الحملات الأمنية العشوائية التي ينفذها جهاز مكافحة الهجرة والأجهزة الأمنية داخل الأحياء السكنية وأماكن إقامتهم، الأمر الذي دفعهم إلى تجنّب التنقل أو حتى مغادرة مساكنهم بحثًا عن العمل، خوفًا من الاعتقال أو الاحتجاز، ما فاقم من هشاشتهم وحرمهم من فرص البقاء بكرامة.

بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني، منظمة التضامن لحقوق الإنسان توصي:

السلطات الليبية، برفع الضغوط غير المبررة على الأفراد والمنظمات العاملة في الحقل الإنساني، كما يجب على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تكون أكثر اطلاعا ومتابعةً للفئات الضعيفة والهشة في ليبيا، وأن تعمل على توفير قاعدة بيانات حقيقية تُبين حجم الاحتياج الحقيقي.

الوكالات الدولية ومكتب تنسيق المساعدات الإنسانية، ان يكون لهم سياسات حقوقية في تشخصي الاحتياج الحقيقي في ليبيا، وان يكون لها أنشطة استشارات وعمل على الأرض لمعرفة من هم المحتاجين بالفعل. كما يجب عليها ان توفر الآلية التي تضمن مراقبة ومتابعة المساعدات التي تقدمها للشركاء العاملين في ليبيا، لتضمن اكبر قدر من الشفافية والأمانة في وصول هذه المساعدات الى الفئات المستهدفة.

صندوق الزكاة في ليبيا بتعزيز مساهمته في دعم ومساعدة عابري السبيل من المهاجرين وطالبي اللجوء، مع إيلاء اهتمام خاص بالأرامل والنساء اللواتي لا معيل لهن، من خلال تخصيص جزء من موارد الزكاة والصدقات لتمويل برامج الإيواء، والغذاء، والرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية، بما ينسجم مع القيم الدينية ومبادئ التضامن الإنساني.

وأخيرا، يجب ان تسعى الحكومة الليبية إلى رفع التضييق الذي تُمارسه جهات عدة في الدولة على المجتمع المدني. كما يجب عليها حث المجتمع على احترام دور المتطوعين والعاملين في الحقل الإنساني.

منظمة التضامن لحقوق الإنسان

طرابلس – ليبيا

19 أغسطس 2025

[1] الأمم المتحدة: “اليوم العالمي للعمل الإنساني، 19 أغسطس“.

[2]  مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: “لمحة عامة العمل الإنساني العالمي 2025“.

[3]  “تحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الوقت الراهن إلى 15.9 مليار دولار، وهو ما يمثل 34 في المائة من اللمحة العامة عن العمل الإنساني العالمي في ظل الزيادات الكبيرة في التمويل المطلوب للاستجابة للأزمات المتصاعدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان. وقد أدت الأزمة المتصاعدة في السودان إلى زيادة متطلبات التمويل في شرق وجنوب أفريقيا – والتي تتطلب في الوقت الراهن 12 مليار دولار تقريبًا – في حين في غرب ووسط أفريقيا، ثمة حاجة إلى 7.6 مليار دولار، مع نمو نداء تشاد بسبب استمرار وصول اللاجئين السودانيين”، اقتباس من تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

[4]  منظمة الهجرة الدولية: “خطة الاستجابة للأزمة الليبية 2025-2026“، 6 فبراير 2025.

[5]  في أبريل 2024، كان هناك ما يقدر بنحو 147,382 نازحًا في ليبيا، بما في ذلك 107,203 نازحًا داخليًا بسبب النزاع و40,179 نازحًا داخليًا بسبب الفيضانات، “خطة الاستجابة للأزمة الليبية 2025-2026“. ولكن وفقا لتقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فإن عدد النازحين داخليا بلغ 32791 شخص (المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بوابة البيانات التشغيلية(.

[6]  حدّد برنامج مصفوفة تتبع النزوح التابع لمنظمة الهجرة الدولية، في الفترة من مارس إلى أبريل 2025، أنه يوجد في ليبيا ما مجموعه 858,604 مهاجر من 46 جنسية في 100 بلدية ليبية خلال الفترة المشمولة بالتقرير. ويمثل هذا زيادة بنسبة تقارب 4% مقارنةً بالجولة السابقة من جمع البيانات، وحوالي 19% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي (الجولة 52). ويستمر هذا الاتجاه التصاعدي منذ ديسمبر 2023. منظمة الهجرة الدولية: “ليبيا – تقرير المهاجرين 57 (مارس – أبريل 2025)“.

[7]  وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ عدد اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في ليبيا 97,505 لاجئًا وطالب لجوء حتى الأول من أغسطس 2025، ويشمل هذا العدد المسجلين لدى المفوضية في طرابلس، (المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بوابة البيانات التشغيلية(. كما أفادت المفوضية بوصول ما يقرب من 240 ألف لاجئ سوداني إلى ليبيا منذ بدء النزاع في السودان في أبريل 2023، شبكة الإغاثة، التابعة لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية: “تقرير برنامج الغذاء العالمي عن ليبيا، يناير 2025“، 23 مارس 2025.

[8] توقفت المواجهات المسلحة الواسعة بعد انسحاب المليشيات الموالية لخليفة حفتر منهزمة من محيط العاصمة طرابلس بعد معارك استمرت 14 شهراً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى