اليوم العالمي للمعلمين
اليوم الخميس، الموافق 5 أكتوبر 2023، تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) اليوم العالمي للمعلمين[1]. هذا العام جعلت منظمة اليونسكو عنوان اليوم العالمي للمعلمين “المعلمون الذين نحتاج إليهم من أجل التعليم الذي نرغب به: ضرورة معالجة النقص في أعداد المعلمين على الصعيد العالمي“، سعياً منها أن يتصدر جدول الأعمال العالمي موضوع أهمية وقف تراجع أعداد المعلمين ومن ثَمَّ البدء في زيادة أعدادهم[2].
أما في ليبيا، فتمر هذه المناسبة بعد أقل من شهر من كارثة الفيضانات التي اجتاحت مدن وبلدات وقرى الجبل الأخضر، والتي راح ضحيتها الآلاف بين قتلى ومفقودين. في هذه الكارثة، وفقا لبعض المصادر، مدينة درنة وحدها فقدت ما لا يقل عن 300 معلم ومعلمة وموجه تربوي. فقدت مدرسة النصر للتعليم الأساسي خمساً وأربعين معلمة، وفقدت مدرسة الزهير الابتدائية ثلاثين معلمة[3]، وأما جامعة درنة فقدت اثني عشر من أعضاء هيئة التدريس بها. هذه كلها احصائيات مبدئية وغير نهائية ومن المرجح أن تزيد، فلا تزال أعداد المفقودين من المدينة تفوق 8 آلاف شخص.
هؤلاء، وكل ضحايا الإعصار الذي اجتاح المنطقة في الفترة من 8 سبتمبر إلى 11 سبتمبر 2023، لم يكونوا ضحايا كارثة طبيعية، وإنما ضحايا طبقة سياسية تقلدت مناصب ومسؤوليات في الدولة الليبية، في كل المستويات الإدارية من الدولة. أقل ما يُقال فيها أنها طبقة فاشلة وليست في مستوى المسؤولية. طبقة وصلت الى مراكز السلطة والتأثير ليس لكفاءتها، ولكن نتيجة لأسباب أخرى[4]، أغلبها، إن لم تكن كلها، لا علاقة لها بإرادة المجتمع ولا تُعبر عن اختياراته.
لقد كشفت كارثة الفيضانات في الجبل الأخضر، وخاصة في مدينة درنة، عدم قدرة الطبقة السياسية التنفيذية، في الحكومة المعترف بها دوليا وتلك المعينة من طرف مجلس النواب، على إدارة مؤسسات الدولة[5]، المدنية والعسكرية منها. كما كشفت الكارثة عن حجم وقدرة المجتمع، سواء من خلال مبادرات فردية أو من خلال جمعيات ومؤسسات أهلية، على تقديم الدعم المادي والمعنوي، في صورة تلاحم وتضامن مجتمعي أذهل الجميع.
لقد دأبنا في منظمة التضامن لحقوق الإنسان (التضامن) على توجيه النداء “للسلطات الليبية”، ولكن اليوم وفي ظل فداحة الخسائر في الأرواح والممتلكات، وفي ظل هزالة أداء أجهزة الدولة في التعاطي مع ما خلفه الإعصار من أضرار جسيمة، نجد أنه من العبث مخاطبة من لا فائدة تُرجى منه. لذا نوجه خطابنا إلى النشطاء في الجمعيات الخيرية وفي مؤسسات المجتمع المدني المستقلة بضرورة الاستمرار في دعم ضحايا كارثة إعصار سبتمبر 2023، فليست هناك سلطات تهتم بهم. لم يمضي شهر على الكارثة وها هي الطبقة السياسية الفاشلة قد صرفت انظارها عن ضحايا الإعصار لتنشغل في صراعها العبثي.
لقد فقدت مدينة درنة أكثر من ثلاثمائة معلم ومعلمة، وقد يكون العدد النهائي أكثر من ذلك بكثير، وعندما يعود الطلاب والمعلمون، الذين نجوا من الفيضان، إلى مدارسهم وفصولهم، ستكون المشاعر النفسية والعاطفية شديدة. على المجتمع المدني والخدمات التعليمية والطبية أن تبدأ العمل من الآن لذلك اليوم، يوم العودة إلى المدارس.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
طرابلس – ليبيا
5 اكتوبر 2023
[1] منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو): “اليوم العالمي للمعلمين، 5 تشرين الأول/أكتوبر“. الذي أقرته الدورة (27) للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 1993، الذي يُنظم سنويا منذ عام 1994 لإحياء ذكرى توقيع توصية اليونسكو ومنظمة العمل الدولية لعام 1966 بشأن أوضاع المدرسين. وتضع هذه التوصية مؤشرات مرجعية تتعلق بحقوق ومسؤوليات المعلمين، ومعايير إعدادهم الأولي وتدريبهم اللاحق، وحشدهم، وتوظيفهم، وظروف التعليم، والتعلم. منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو): “قرار الدورة (27) للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)“، 1993.
[2] منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو): “اليوم العالمي للمعلمين لعام 2023“.
[3] نقابة معلمي درنة وضواحيها: “معلمات من مدرسة زهير في ذمة الله”، 23 سبتمبر 2023. صفحة النقابة على موقع شبكة Facebook تحتوي على العديد من المنشورات تحمل أسماء ضحايا الفيضانات من مدارس مختلفة في درنة (الرابط).
[4] بعضها جاء عن طريق المال السياسي الفاسد، وبعضها عن طريق الولاء لأطراف إقليمية، وبعضها عن طريق التحالف مع مليشيات مارقة، وبعضها عن طريق المحاصصة الجهوية والقبلية.
[5] مؤسسات وأجهزة الدولة، كلها وبدون استثناء فشلت في اتخاذ أي إجراءات أو خطوات لتجنب أو على الأقل تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات، وبالذات في الأرواح. مراكز الأرصاد الجوي في إيطاليا ومالطا أطلقت صفارات الإنذار يوم 4 سبتمبر للتحذير من إعصار سيضرب منطقة شرق البحر المتوسط وشمال أفريقيا. يوم 5 سبتمبر اجتاح الإعصار كلا من اليونان وتركيا متسببا في خسائر كبيرة في الممتلكات، ولكن خسائر محدودة في الأرواح. يوم 6 سبتمبر اجتمع حوالي 20 شخصية من أهل درنة، منهم خبراء، ووجهوا تحذيرات إلى الحكومتين من مخاطر انهيار سدود وادي درنة. يوم 9 سبتمبر اجتاح الاعصار مدينة البيضاء ومحيطها وتسبب في فيضانات تسببت في مقتل 180 شخص، على الأقل. كل هذه الأيام والتحذيرات لم تتخذ الطبقة السياسية الفاشلة أي إجراءات لتمنع أو تقلل الخسائر في الأرواح في منطقة البيضاء ومحيطها ولا في مدينة درنة.