يوافق اليوم الجمعة 30 اغسطس اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري[1] الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010.
إن الاختفاء القسري “يعتبر انتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية”[2]، فهو “يحرم الشخص الذي يتعرض له، من حماية القانون، وينزل به وبأسرته عذابا شديدا[3]. وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل، ضمن جملة أمور، حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون، وحقه في الحرية والأمن، وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديدا خطيرا له”[4].
وتمر هذه الذكرى على ضحايا الاختفاء القسري في ليبيا وأحبابهم وأهلهم يعيشون بين الأمل واليأس، الأمل في عودتهم واليأس بسبب طول غيابهم وانقطاع أنبائهم وعدم اهتمام السلطات بمعاناتهم، وهذا انتهاك مستمر لحقوق الغائب وحقوق ذويه.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان (التضامن) تعرب عن بالغ القلق بسبب تنامي عمليات الاختفاء القسري في ليبيا. ففي عام 2017 وثقت التضامن لحقوق الإنسان 332 ضحية جديدة من ضحايا الاختفاء القسري[5]، وفي عام 2018 وثقت التضامن 247 ضحية جديدة[6]، وفي الستة أشهر الأولى من العام 2019 وثقت التضامن 134 ضحية جديدة[7]، لتنضم الى مئات الضحايا الذين اختفوا في السنوات السابقة[8]. وفي سابقة خطيرة بدأت هذه الجريمة تطال النساء في ليبيا، حيث رصدت منظمة التضامن لأول مرة، منذ أن بدأت نشاطها منذ قرابة عقدين[9] من الزمان، جرائم إخفاء قسري لنساء في ليبيا خلال النصف الأول من عام 2019.
في مدينة بنغازي، وفي الساعات الأولى من يوم 17 يوليو 2019، اقتحم مسلحون ملثمون، يرتدون ملابس عسكرية، بيت السيدة سهام سرقيوه، عضو مجلس النواب، واقتادوها بعد أن أطلقوا الرصاص على زوجها وأصابوه في ساقه واعتدوا على ابنها البالغ من العمر 16 عاما للضرب المبرح خلال عملية اختطاف السيدة سرقيوه. وعلى الرغم من أنه لم تعترف أي جهة باختطافها ولم يتم بعد تحديد هوية الجناة بشكل قطعي، إلا أن شهادات بعض الشهود تشير إلى أن المهاجمين مرتبطون بما يسمى “الجيش الوطني الليبي”، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر[10]. وبالرغم من المناشدات والمطالبات الدولية[11] للإفراج عن السيدة سرقيوه وضمان عودتها سالمة الى اسرتها، إلا أنه لا يزال مصيرها مجهولا حتى الآن. السيدة سهام سرقيوه تعرضت للاختطاف بعد بضع ساعات من مشاركتها في نقاش على قناة مرئية[12] أعربت فيها عن معارضتها للعدوان على مدينة طرابلس.
وفي مدينة درنه، وردت أخبار عن اعتقال مليشيات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر على خمسة نساء[13] من أسرتين في منطقة شيحا الغربية في شهر مايو الماضي ولا توجد أي معلومات عن مصيرهن[14].
مأساة ضحايا الاختفاء القسري قائمة في ليبيا منذ أربعة عقود، فلا يزال مصير المئات ممن غيبهم نظام القذافي، أمثال جاب الله حامد مطر والدكتور عمرو النامي وعزات المقريف والمئات من ضحايا مذبحة سجن أبو سليم، مجهولا. وكذلك لا يزال مصير عضو مجلس بلدية بنغازي المنتخب عصام الغرياني، ورئيس قسم البحث الجنائي ببنغازي المقدم عبد السلام المهدوي، والناشط السياسي عبد العز بانون، والأمين العام لهيئة علماء ليبيا الدكتور نادر العمراني، والشاب وائل المالكي الذي اختفى بالقرب من بيت أسرته عام 2014 وكان آنذاك يبلغ من العمر 17 عاما، وغيرهم من مئات ضحايا الاختفاء القسري في السنوات التي تلت سقوط النظام السابق، لا يزال مصيرهم مجهولا.
يتعلل بعض مرتكبي جرائم الانتهاكات بالظروف الاستثنائية وانعدام الاستقرار السياسي وحالة الحرب التي تعيشها ليبيا، إلا أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري[15] تنص في المادة الأولى، الفقرة 2، على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري“.
منظمة التضامن تدعو جميع الأطراف المتنازعة بعدم استخدام الاختفاء القسري كأداة من أدوات الحرب، وتطالبها بالإفراج الفوري عن المختطفين لديها دون شرط أو قيد وتُذَكِرُها بأن الاختفاء القسري يعد جريمة ضد الإنسانية[16]، حيث نص نظام روما الأساسي في مادته السابعة الفقرة (1/ط) على أن الاختفاء القسري جريمة من الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم[17].
وتنص المادة السادسة (الفقرة 1/أ) من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري[18] على تجريم “كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”، كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة أنه “لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسري”. ويجرم قانون العقوبات الليبي جريمة الإخفاء القسري[19] ويعاقب عليها بالسجن، وفقا للقانون رقم (10) لسنة 2013 “بشأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز”.
كما توجه التضامن ندائها إلى السلطات الليبية، المتمثلة في حكومة الوفاق الوطني؛
- اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنهاء هذه الظاهرة، وتذكرها بأنه وفقا للقوانين الليبية والدولية كل شخص محروم من حريته يجب أن يكون في مكان حجز معترف به رسميا وأن يمثل أمام القضاء دون تأخير،
- التوقيع على “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” لتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا، و
- تجديد الدعوة[20] إلى الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري لزيارة ليبيا في أقرب وقت ممكن.
طرابلس – ليبيا
30 أغسطس 2019
[1] الأمم المتحدة: “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، 30 آب/أغسطس“.
[2] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 133 الدورة 47: “الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”، الفقرة الأولى من المادة الأولى، 12 فبراير 1993.
[3] نموذج للعذاب الذي يتعرض له ضحايا الاختفاء القسري، جريمة اختطاف وقتل أطفال أسرة الشرشاري من مدينة صرمان. يوم 7 أبريل 2018 تم العثور على رفات أبناء عائلة الشرشاري بعد مضي قرابة ثلاثين شهرا على اختفائهم، بعد أن اختطفتهم عصابة من المجرمين يوم 2 ديسمبر 2015. أسرة الأطفال الثلاثة [ذهب رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 9 أبريل 2004)، عبد الحميد رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 27 مايو 2007)، ومحمد رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 15 فبراير 2009)] ظلت تعاني طوال فترة اختفائهم على أمل عودة أطفالها الأبرياء لتكتشف أن العصابة المجرمة قامت بقتلهم بعد اختطافهم ببضعة أسابيع. منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “بيان منظمة التضامن بشأن العثور على رفات أبناء الشرشاري“، 7 أبريل 2018.
[4] الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (133/47).
[5] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “جرائم الخطف والاغتيالات في ليبيا خلال عام 2017“، 16 مارس 2018.
[6] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “جرائم الخطف والاغتيالات في ليبيا خلال عام 2018“، 14 فبراير 2019.
[7] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: ” جرائم الخطف والاغتيالات في ليبيا خلال النصف الأول من عام 2019“، 4 أغسطس 2019.
[8] منظمة العفو الدولية في تقرريها “ليبيا: “اختفوا عن وجه الأرض”: مدنيون مختَطفون في ليبيا” بتاريخ 5 أغسطس 2015 نقلت عن جمعية الهلال الأحمر الليبي أن “ما لا يقل عن 378 شخصا من أصل 626 حالات اختفاء قسري سجلها الهلال الأحمر لازال مصيرهم آنذاك مجهول منذ اعتقالهم في فترات متفاوتة منذ 2011”.
[9] منظمة التضامن لحقوق الإنسان بدأت نشاطها في مجال حقوق الإنسان بتاريخ 10 ديسمبر 1999 في مدينة جنيف سويسرا.
[10] منظمة العفو الدولية: “ليبيا: تصاعد المخاوف بشأن عضو مجلس النواب المختطفة بعد شهر من اختفائها“، 16 أغسطس 2019.
[11] بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: “بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تستنكر الاختفاء القسري للسيدة سرقيوه، عضو مجلس النواب المنتخب، داعيةً إلى إطلاق سراحها على الفور“، 18 يوليو 2019. الإتحاد الأوروبي، سفارات المملكة المتحدة وكندا وفنلندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا: “بيان مشترك يدعو الى الافراج الفوري عن النائبة الليبية سهام سرقيوه“، 8 أغسطس 2019. بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: “بيان من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حول استمرار الاختفاء القسري لعضو الهيئة التشريعية في مجلس النواب سهام سرقيوه“، 7 أغسطس 2019.
[12] مساء يوم الثلاثاء الموافق 16 يوليو 2019، شاركت السيدة سهام سرقيوه في اتصال هاتفي في برنامج على قناة “الحدث” الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، الرابط التالي لجزء من مداخلة السيدة سرقيوه بخصوص الحرب على طرابلس ومساعي وقفها (الرابط)، تاريخ النشر 16 يوليو 2019.
[13] ليبيا اوبزرفر (The Libya Observer): “ميليشيات حفتر تختطف نساء من درنة“، 27 مايو 2019. التقرير يشير الى اختطاف ثلاثة نساء من أسرة البحباح، وثلاثة نساء من أسرة بن خيال، سيدة وبناتها الإثنين، ولكن التضامن، من مصادر أخرى، تحققت من اختطاف الثلاثة نساء من أسرة البحباح، وأما بالنسبة لأسرة بن خيال، فالمعلومات المتوفرة أنه اختطاف السيدة ناجية الكواش وابنتها السيدة سليمة وأطفال السيدة سليمة الأربعة.
[14] عدد النساء ضحايا الاختفاء القسري في ليبيا ربما يكون أكثر بكثير من الحالات الستة المذكورة في هذا التقرير (السيدة سهام سرقيوه، والنساء الثلاثة من أسرة البحباح، والسيدتان من أسرة بن خيال)، بسبب فوضى انتشار المليشيات وضعف الحكومة المركزية والتعتيم الإعلامي، وخاصة في مدينة درنة. المتوفر لدى التضامن، أنه يوجد في معتقل معيتيقه في مدينة طرابلس قرابة 200 امرأة سجينة، وتوجد نساء معتقلات في مدينة مصراته ممن تم أسرهن في خلال “عملية البنيان المرصوص” لتحرير مدينة سرت من تنظيم داعش، ونساء معتقلات في بنغازي وقرنادا والرجمة. لا توجد أي تفاصيل عن هويات كل النساء المعتقلات ولا ما إذا كلهن تمكن ذويهن من التواصل معهن منذ اعتقالهن.
[15] الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، 20 ديسمبر 2006.
[16] ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (133/47): “وإذ ترى [الجمعية العامة] أن الاختفاء القسري يُقوض أعمق القيم رسوخاً في أي مجتمع ملتزم باحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن ممارسة هذه الأفعال على نحو منتظم يعتبر بمثابة جريمة ضد الإنسانية”.
[17] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998.
[18] الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، 20 ديسمبر 2006.
[19] قانون رقم (10) لسنة 2013 “بشأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز“، المؤتمر الوطني العام، 14 أبريل 2013. المادة (1) “الاخفاء القسري” الفقرة (1) ” يعاقب بالسجن كل من خطف إنساناً أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع. “.
[20] لقد وجهت الحكومة الليبية، الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب، دعوة مفتوحة لجميع الإجراءات الخاصة بحقوق الإنسان، فرق العمل الخاصة والمقررين الخاصين والخبراء، التابعة لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، لزيارة ليبيا خلال كلمته التي ألقاها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف خلال الدورة الاعتيادية للمجلس رقم (19) 27 فبراير – 23 مارس 2012.