رسالة مفتوحة
نداء إنساني بشأن المهاجرين واللاجئين في ليبيا
رغم أننا في منظمة التضامن لحقوق الإنسان (منظمة التضامن) أصدرنا بيان بتاريخ 13 مارس الجاري، بشأن حملة التحريض على المهاجرين واللاجئين في ليبيا، والتي تصاعدت وتيرتها منذ اليوم الأول من شهر رمضان الفضيل؛ والذي أكدنا فيه على الحق الأصيل لكل الدول في تنظيم إقامة الوافدين إليها، من عمالة ومهاجرين ولاجئين، وفق القانون والمواثيق والعهود الدولية التي هي طرف فيها؛ والذي توجهنا فيه بتوصيات إلى الجهات المعنية؛ إلا أننا نجد أنفسنا، ومن منطلق إنساني وأخلاقي وواجب شرعي، مضطرين إلى مخاطبة الجهات الحكومية، ودار الإفتاء، وعموم المواطنين، بخطاب مباشر، وليس ببيان حقوقي.
لقد رصدنا واطلعنا على حوادث تعرض فيها مهاجرون ولاجئون للاعتقالات ومداهمة بيوتهم في مدينتي مصراته وصبراته وفي عدة مناطق من العاصمة طرابلس. كما قُتِلَ شاب من نازحي السودان في مدينة صبراتة، على يد مسلحين قاموا بمداهمة محل سكن عمال وإطلاق الرصاص عليهم. وقُتلت دهسا بسيارة سيدة حامل من النيجر، كانت برفقة زوجها عائدين من صلاة التراويح. ناهيك عن الحملات المكثفة على شبكات التواصل الاجتماعي، التي يقوم بها العشرات من الداخل والخارج، عبر حسابات بعضها غير موثقة ولا يعرف من يقف خلفها. هذه الحسابات تنشر معلومات مضللة وإشاعات بشكل ممنهج ومستمر، وبعضها يحرض على العنف ضد المهاجرين، تحت دعاوي مناهضة توطين المهاجرين واللاجئين في ليبيا.
تحدث رئيس الوزراء، السيد عبد الحميد الدبيبة، في لقاء رسمي لحكومة الوحدة الوطنية، جمع أغلب الوزراء ومسؤولي الهجرة وحرس الحدود، وقال في كلمته أنه “لا يوجد أي مشروع لتوطين المهاجرين في ليبيا”، وأضاف أنه “في جميع اللقاءات مع الاتحاد الأوروبي يؤكد على أن ليبيا ترفض بقاء المهاجرين فيها كونها بلد عبور”. وفي كلمته أكد أنه “يرفض أي اعتداء على العمال والمهاجرين، وأنه يجب ترك التحرك الأمني للجهات الحكومية المعنية”. وإذ تثني منظمة التضامن على هذا الخطاب المتزن، والذي يأتي في هكذا مرحلة حرجة، ولكونه صادر عن حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً وتمثل دولة ليبيا في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية، إلا أنها متناقض مع تصريحات وزير الداخلية المكلف. في الوقت الذي خرج فيه السيد رئيس الحكومة بخطاب متزن، خطاب مرؤوسه وزير الداخلية المكلف، عماد الطرابلسي، خطاب تحريضي، غوغائي (ديماغوجي).
المهاجرون في ليبيا فئات مختلفة؛ بعضهم جاء إلى ليبيا طلباً للرزق، يعني غادر موطنه وليبيا هي بلد المقصد؛ وبعضهم لاجئون، نزحوا إلى ليبيا طلبا للأمان؛ وبعضهم هدفه الوصول إلى أوروبا، يعني غادر موطنه وليبيا هي بلد العبور. ما الذي يجعل ليبيا قبلة المهاجرين إلى أوروبا؟ رغم أنها ليست الأقرب إلى شواطئ أوروبا، المغرب وتونس وحتى الجزائر أقرب إلى الشواطئ الجنوبية لأوروبا من ليبيا، ومع ذلك العدد الأكبر من المهاجرين عبر البحر المتوسط ينطلقوا من ليبيا. السبب يرجع إلى تورط جهات ليبية عدة في التهريب، تهريب البشر. إذ تسيطر مليشيات على معابر حدودية وموانئ بحرية ومطارات، بعضها يتبع حكومة الوحدة الوطنية وبعضها خارج سيطرتها.
إنّ ملف الهجرة غير النظامية، أو ما يسمى بـ”الهجرة غير الشرعية”، ملف يحاول كل طرف توظيفه لتحقيق أهداف خاصة به؛ سواء حكومة الوحدة الوطنية، أو الحكومة الموازية التابعة للبرلمان، أو دول الإتحاد الأوروبي، أو دول الجوار، وغيرهم.
في ليبيا، السلطات الرسمية في الغرب وسلطات الأمر الواقع في شرق وجنوب البلاد، بإمكانها تقليل الهجرة عبر ليبيا، إذا هي راغبة فعلا، وذلك بمنع الجهات التابعة لها من التورط في الاتجار بالبشر وتهريبهم، وملاحقة شبكات التهريب فعلا، حتى تصبح عواقب الانخراط في الاتجار بالبشر والتهريب أكبر كلفة من عوائدها المالية. وهكذا يصبح المرور عبر ليبيا أصعب وأكثر كلفة، وبالتالي المهاجرون سيبحثون عن بلد آخر العبور عن طريقه أسهل وأقل تكلفة، وحتما ستتراجع أعدا المهاجرين عبر ليبيا.
بالنسبة لمن يصلوا إلى ليبيا طلبا للرزق، أي أن ليبيا هي وجهتهم، ما المانع في ذلك؟ الهجرة، مغادرة الإنسان موطنه إلى موطن آخر، هي موجودة منذ أن خُلِقَ الإنسان، وستظل إلى أن يَرِث اللهُ الأرض ومن عليها. هي ظاهرة طبيعية، أصيلة في حياة البشر. بالنسبة لليبيا، وفق آخر بيانات متوفرة من منظمة الهجرة الدولية، شهر أكتوبر 2024، كان في ليبيا 787 ألف مهاجر وطالب لجوء. 81% من المهاجرين واللاجئين كانوا من دول الجوار (السودان والنيجر ومصر وتشاد). حوالي ثلث المهاجرين كانوا من النيجر وتشاد (31%)، هؤلاء يعملون في مهن بسيطة، غالبا في الرعي والزراعة والخفر (غفير). هذه مهن غالبا لا يمارسها الليبيون، فما الضرر في وجود غرباء يمارسوا مهن يحتاجها السوق الليبي؟ كل دولة لها الحق الأصيل في تنظيم إقامة الغرباء على أراضيها، هذا مسلم به، ويجب أن تقوم به السلطات الليبية، ولكن ليس عبر التحريض والتضليل والغوغائية.
إضافة إلى ذلك أليس علينا مسؤولية أخلاقية تجاه هؤلاء؟ مسؤولية إنسانية وشرعية يفرضها علينا دين الإسلام الذي يدين به غالبية الشعب الليبي، بلد يفتخر بأنه بلد المليون حافظ للقرآن الكريم. الله سبحانه وتعالى، أوصى بالإحسان إلى الغريب، إبن السبيل في 8 آيات في القرآن الكريم، وجعل له حصة من الصدقات وحتى من الأنفال، غنائم الحرب. والسعي في الأرض بحثا عن الرزق هو أمر رباني، في سورة الملك ﴿هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولࣰا فَٱمۡشُوا۟ فِی مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا۟ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَیۡهِ ٱلنُّشُورُ﴾. ولذلك نستغرب خطاب السيد مفتي الديار الليبية الذي تركز حول مزاعم “التوطين”. خطاب المفتي في تقديرنا لم يكن مناسبا للمرحلة. كان من الأولى دعوة الناس لعدم الانجرار وراء الدعوات المشبوهة للخروج في مظاهرات والاعتداء على المهاجرين، والذين من بينهم لاجئين. كنا نأمل من فضيلته دعوة الناس إلى الإحسان الى المهاجرين، فهم غرباء، منهم من قطع آلاف الكيلومترات بحثاً عن الرزق وحياة أفضل. كثير منهم يعولون أسر تعيش في فقر مدقع.
الفئة الثالثة، وهم اللاجئون، الفارين من الحروب والاضطهاد. هؤلاء إيوائهم وتوفير الدعم والحماية لهم واجب إنساني، والتزام قانوني، وواجب شرعي.
كل الشعوب، بدون استثناء، قد تجد نفسها يوماً مُجبرة على النزوح من موطنها، وبكل تأكيد ستشعر بالامتنان لمن يمد لها يد العون والمساعدة.
عندما لجأ القذافي لاستخدام القوة ضد المظاهرات السلمية في ليبيا عام 2011، اضطرت أسر كثيرة، خاصة في غرب ليبيا، إلى النزوح إلى تونس، وهناك وجدت الأمان من ملاحقة كتائب القذافي، ووجدت العون من منظمات دولية وتونسية وجمعيات ليبية، وهذا واجب إنساني. والتزام قانوني لمساعدة اللاجئين بموجب أن ليبيا صادقت على اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية للاجئين. وواجب شرعي، كمجتمع يدين الغالبية العظمى منه بدين الإسلام، يمليه علينا القرآن الكريم وسنة النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم.
الواجب على الجميع، مؤسسات ونخب ونشطاء، الضغط على الحكومة لتقوم بواجبها بمكافحة شبكات التهريب، حتى في المناطق التي لا تسيطر عليها، والتعاون أكثر مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي تعمل على إعادة توطين طالبي اللجوء في بلدان ثالثة، وليس ليبيا، والتعاون مع المنظمة الدولية للهجرة التي تقوم بتنظيم رحلات العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم.
ختاماً، حرية تنقل البشر هي الأصل، لأن الإنسان إذا تعذر عليه العيش في مكان ما، إما لنقص الماء، أو نقص الرزق، أو عدم توفر الأمان، يرحل وينتقل إلى مكان أكثر ملائمة أو أفضل من مكانه الأصلي ليستقر فيه. لكن لأننا نعيش في عالم يُصِّر على حرية تنقل رأس المال والسلع، ويضع القيود على حرية تنقل الأفراد، ويريد منا أن نفرض على الناس الذين يعيشون في بيئات لا تتوفر فيها الاحتياجات الأساسية للحياة، أن يظلوا في مكانهم. أي قيم إنسانية، غير الأنانية وانعدام التعاطف والرحمة، تريد منا ألا نقدم العون لأولئك الذين ولدوا في أماكن قاحلة؟ يريدون منا أن نقول للمهاجرين “يا لسوء حظك، لقد ولدت في هذا المكان القاحل، تحمله وابق هناك حتى تموت”. اتقوا الله في المهاجرين، فبالإحسان إلى الضعفاء والمساكين، نحفظ قيمنا الإنسانية ونقي بلدنا ومجتمعنا من السوء “صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ و الآفاتِ و الهلكاتِ”.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
طرابلس – ليبيا
20 مارس 2025





