الأخبارتقارير

قضية مذبحة سجن بو سليم

السلطات الليبية وتعزيز الإفلات من العقاب

واقعة مذبحة سجن أبو سليم من أوضح صور الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية

وصفت منظمة التضامن لحقوق الإنسان (منظمة التضامن)، في بيان صدر عنها بمناسبة الذكرى 27 لجريمة القتل الجماعي في سجن بو سليم، موقف السلطات الليبية من قضية مذبحة سجن بو سليم بأنه “دليل واضح على عدم رغبة هذه السلطات في محاسبة مرتكبي هذه الجريمة، جريمة ضد الإنسانية كما وصفها القانون الليبي[i] وأيده حكم المحكمة العليا[ii]“.

منذ أن بدأت الدائرة الجنائية التاسعة بمحكمة استئناف طرابلس النظر في القضية، بتاريخ 2 أغسطس 2017، قامت بالإفراج عن مجموعة من المتهمين على دفعات “بشرط التردد على المحكمة“. وعندما قضت هيئة الدائرة الجنائية التاسعة، في حكمها[iii] الصادر بتاريخ 15 ديسمبر 2019 “بسقوط الجريمة المسندة إلى تسعة وسبعين (79) متهم في القضية بمضي المدة” أي انقضاء مدة التقاضي، قامت المحكمة بالإفراج عن كل المتهمين سوى ثلاثة منهم كانوا قيد المحاكمة في قضية أخرى.

وبعد أن حكمت الدائرة الجنائية الأولى بمحكمة استئناف طرابلس، “بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإحالة الأوراق للقضاء العسكري من حيث الاختصاص“، قام المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية، بالإفراج عن المتهم اللواء عبد الله منصور، بتاريخ 19 فبراير 2023، ولم يبقى قيد الاعتقال من أصل 79 متهم، مثلوا أمام المحكمة في هذه القضية، سوى متهمان، المتهم الأول عبد الله السنوسي[iv] والمتهم الثالث منصور ضو. الإفراج عن متهم رئيسي في جريمة، وصفها القانون الليبي والمحكمة العليا في ليبيا بأنها جريمة ضد الإنسانية، أمر خطير ويعزز الإفلات من العقاب في ليبيا، ويعتبر انتهاك لحقوق الضحايا وذويهم[v].

الباحث الحقوقي في منظمة التضامن، أحمد محمود، قال “كلما يصدر بيان أو تعليق من المحكمة الجنائية الدولية بشأن الجرائم الخطيرة في ليبيا، تبادر السلطات المعنية بإنفاذ القانون إلى التعليق بأن القضاء الليبي هو من يملك الولاية القضائية ولديه القدرة على توفير محاكمات عادلة. الولاية القضائية ليست محل نقاش فهي من اختصاص القضاء الليبي وأما دور المحكمة الجنائية الدولية هو دور مكمل للقضاء الوطني في حال عدم قدرة الأخير على التحقيق والمحاكمة أو عدم رغبته القيام بذلك. ولكن السلطات المعنية بإنفاذ القانون في ليبيا، بما فيها القضاء، لم نرى منها ما يثبت قدرتها على إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم الخطيرة، ونعني هنا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة، على النقيض كل ما نراه هو تعزيز الإفلات من العقاب”[vi].

الحكم العادل في قضية جريمة القتل الجماعي في سجن أبو سليم، ليس فقط من أجل محاسبة الجناة، وهو هدف ضروري لمناهضة الإفلات من العقاب، ولكن فوق ذلك لكشف الحقيقة ورد الاعتبار للضحايا ولجبر الضرر ولمراجعة القوانين وفحص المؤسسات حتى لا تتكرر الانتهاكات الجسيمة – التي سبقت الجريمة وكانت مقدمات لها – في المستقبل. رغم مضي أثني عشر عاماً على سقوط النظام السابق، لم تَشْرُع الدولة الليبية في مشروع العدالة الانتقالية[vii]. كل الدول التي صاغت ونفذت مشروع للعدالة الانتقالية بعد خروجها من حقبة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان – كانت نتيجة استبداد أنظمة ديكتاتورية أو نتيجة حروب أهلية – استطاعت أن تنتقل إلى مرحلة استقرار وأمن.

بسبب الفشل في تطبيق العدالة الانتقالية تفشى التعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري. اليوم يوجد آلاف الأشخاص رهن الاعتقال التعسفي في سجون معروفة وأخرى سرية، يتعرضون للتعذيب والاهانة والتجويع المتعمد والحرمان من الرعاية الطبية وفي معزل عن العالم، وفي ظروف ومعاملة ربما أسوأ بأضعاف مضاعفة للظروف التي قادت الى جريمة القتل الجماعي في سجن أبو سليم صباح يوم 29 يونيو 1996م.

[i] المؤتمر الوطني العام، قانون رقم (31) لسنة 2013م “في شأن تقرير بعض الأحكام الخاصة بمذبحة سجن أبو سليم”، 18 ديسمبر 2013، الجريدة الرسمية العدد (4) السنة (3) 7 مايو 2014. المادة الأولى: “مذبحة سجن أبو سليم جريمة ضد الإنسانية تلتزم دولة ليبيا بإجراء تحقيق شامل وشفاف في شأنها لمعرفة مرتكبيها والمشتركين فيها وتقديمهم للعدالة”.

[ii] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “حكم المحكمة العليا، الدائرة الجنائية الثانية، في الطعن الجنائي رقم 512 / 67 ق“. الحكم صدر بتاريخ 2 مايو 2021.

[iii] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “حكم محكمة استئناف طرابلس في قضية مذبحة سجن أبو سليم“، تاريخ الحكم، 25 ديسمبر 2019.

[iv] هناك أخبار متداولة عن نية المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية الإفراج عن المتهم عبد الله السنوسي.

[v] كما يضع السلطات التنفيذية في ليبيا، التي شاركت بأي شكل وبأي قدر من المشاركة في اتخاذ وتنفيذ قرار الإفراج هذا، في دائرة الاتهام بالتعدي على اختصاص القضاء.

[vi] لقد أشارت التضامن في مناسبات عديدة إلى أن السبب الرئيس لتنامي العنف والجرائم الخطيرة، التي يرتقي بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، هو فشل السلطات الليبية المتعاقبة، منذ سقوط النظام السابق، في إنفاذ القانون ومحاسبة الجناة. أغلب الجرائم الخطيرة، جرائم خطف والتعذيب والإخفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء، إن لم تكن كلها، لا يتم التحقيق فيها ولا محاسبة الجناة. نموذج لفشل السلطات الليبية في التحقيق في الجرائم الخطيرة، الجرائم التي ارتكبها محمود الورفلي. محمود الورفلي، كما ورد في مذكرات الاتهام التي وجهتها له المحكمة الجنائية الدولية، من الفترة من يونيو 206 إلى يناير 2018، قام بقتل 44 شخص، بإعطاء الأوامر إلى مرؤوسيه أو بتنفيذ الجريمة بنفسه. رغم علم السلطات الليبية بهذه الجرائم، مكتب النائب العام في طرابلس ومكتب المحامي العام في بنغازي، لم يصدر أي تصريح أو تعليق على هذه الجرائم، ولم يصدر أي إعلان عن فتح تحقيقات في هذه الجرائم، ولا نشر أي إجراءات اتخذت بشأن هذه الجرائم. استمر محمود الورفلي في القتل ونشر تسجيلات مصورة وصور لجرائم القتل التي يرتكبها لفترة تزيد عن 21 شهر، وحال السلطات الليبية كأنما الأمر لا يعنيها، أو أن هذه الجرائم تقع في بلد آخر وليس في ليبيا.

[vii] العدالة الانتقالية هي حزمة من الإجراءات التشريعية والقضائية والاجتماعية والسياسية لتحقيق المصالحة الوطنية. مراحل العدالة الانتقالية: “جمع الحقائق حول الانتهاكات، توثيق الحقائق، المحاسبة (إحالة من يثبت تورطهم في جرائم إلى القضاء)، جبر الضرر (تعويض الضحايا ماديا ومعنويا)، فحص المؤسسات، وإصدار التشريعات المناسبة لمنع تكرار الانتهاكات في المستقبل”.

LHRS-PRS-2023-06-1034-AR

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى