كلمة التضامن أمام مجلس حقوق الإنسان بخصوص التقرير النهائي لبعثة تقصي الحقائق
السيد نائب الرئيس؛
نحن في منظمة التضامن لحقوق الإنسان نُثَمِّن التقرير النهائي للبعثة المستقلة. ونُعرب عن قلقنا البالغ لإستمرار أطراف عديدة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية[i] وجرائم حرب[ii] بحق الليبيين والمهاجرين واللاجئين في جميع أنحاء ليبيا. كما نعرب عن استيائنا من عدم تعاون السلطات في ليبيا[iii] مع البعثة. فلم تتمكن البعثة من زيارة أي موقع احتجاز[iv] من عشرات[v] المواقع المنتشرة في مختلف المناطق الليبية، بما فيها تلك الواقعة في مناطق تسيطر عليها حكومة الوحدة الوطنية التي تشارك بعثتها في مجلسكم الموقر هذا.
السيد نائب الرئيس، لم يذكر التقرير التقصير الجسيم للسلطات الليبية في أداء الواجب في تعزيز وحماية حقوق الإنسان. الغالبية العظمى من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا يتم التحقيق فيها أو محاسبة المتورطين في ارتكابها.
مطلع هذا الشهر قامت حكومة الوحدة الوطنية بجرة قلم[vi] بإلغاء إشهار جميع مؤسسات المجتمع المدني التي تأسست منذ عام 2011، أكثر من ستة آلاف جمعية ومؤسسة أهلية[vii] تم إلغاؤها.
السيد نائب الرئيس، في ظل التدهور المستمر لوضع حقوق الإنسان في ليبيا، وفي ظل عجز وتقصير السلطات الوطنية في توثيق الانتهاكات لإنهاء الإفلات من العقاب، ندعو مجلسكم الموقر إلى إنشاء آلية تحقيق دولية مستقلة. وإلى أن يتحقق ذلك، ندعو المفوضية السامية لحقوق الإنسان إلى توفير الموارد اللازمة لفريقها في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لاستئناف مهامها في توثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
شكراً
[i] مجلس حقوق الإنسان، الدورة الاعتيادية الثانية والخمسون: “تقرير البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا“، 3 مارس 2023. الفقرة رقم (2): ” … خلصت البعثة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن جرائم ضد الإنسانية قد ارتُكبت بحق الليبيين والمهاجرين في إطار حرمانهم من الحرية في جميع أنحاء ليبيا منذ العام 2016. على وجه الخصوص، قدمت البعثة استنتاجات ووثقت قضايا عديدة مرتبطة بالاحتجاز التعسفي والقتل والتعذيب والاغتصاب والاستعباد والاختفاء القسري، مما يؤكد انتشار هذه الممارسات في ليبيا“.
[ii] المرجع أعلاه، الفقرة رقم (26): “وترى البعثة أنه توجد أسباب معقولة للاعتقاد بأنه في خلال العملية العسكرية [في مرزق] وما أعقبها من عنف، ارتُكِبت أعمال ترقى إلى انتهاكات حقوق الإنسان وربما تشكل جرائم حرب باعتبارها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. وتشمل هذه الأعمال حوادث القتل، وتدنيس الجثث، والاختفاء القسري، والنهب، وتدمير الأعيان المدنية”. الفقرة رقم (38): ” … وتوجد أسباب معقولة للاعتقاد بأن مقاتلي فاغنر المتورطين في هذه القضية ارتكبوا جرائم حرب متمثلة في القتل والتعذيب والمعاملة القاسية”. الفقرة رقم (39): ” … ووجدت [البعثة] أسباباً معقولة للاعتقاد بأن طلاب الكلية لم يشاركوا بصورة مباشرة في الأعمال العدائية، وأنهم كانوا محميين من الهجمات، وأن الهجوم على الكلية العسكرية يرقى إلى انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني ويشكل جريمة حرب”. الفقرة رقم (59): ” … وخلصت البعثة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن السيدة معتوق [في مدينة ترهونة] وقعت ضحية الاختفاء القسري الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، كما وقعت ضحية القتل الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية وجريمة حرب “.
[iii] المرجع أعلاه، الفقرة رقم (22): “لم توافق القوات المسلحة العربية الليبية على عدة طلبات قدمتها البعثة لزيارة جنوب ليبيا (فزان) الخاضع لسيطرتها. وفي أيار/مايو 2022، رفضت حكومة الوحدة الوطنية إعطاء البعثة إذناً بالخروج من طرابلس لدخول جنوب ليبيا الخاضع لسيطرة القوات المسلحة العربية الليبية …”.
[iv] المرجع أعلاه، الفقرة رقم (23): “قدمت البعثة طلبات عدة إلى المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية الليبية، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة الصحة العامة، وذلك لزيارة عدد من السجون وأماكن الحرمان من الحرية. ولم تتلقَّ البعثة أي ردود رسمية على طلباتها”.
[v] المرجع أعلاه، الفقرة رقم (60): “… أجرت البعثة منذ تأسيسها أكثر من 134 مقابلة مع محتجزين حاليين وسابقين، و/أو أقاربهم، و/أو شهود مطلعين، و/أو أفراد آخرين بخصوص أكثر من 41 موقع احتجاز في مختلف المناطق الليبية. كذلك، حصلت البعثة على أعداد كبيرة من الأدلة الداعمة وغيرها بشأن انتهاكات القانون الدولي التي تحدث في مراكز الاحتجاز هذه، بما فيها “السجون السرية”. وفي المجموع، تشير الأرقام الصادرة عن الحكومة إلى أن العدد الرسمي للمحتجزين يبلغ 18523، في حين أن الأدلة التي جمعتها البعثة رجّحت أن يكون العدد الفعلي للأفراد المحتجزين تعسفياً أعلى من ذلك بكثير”. هذا الرقم، 41 موقع احتجاز، لا يشمل مراكز اعتقال المهاجرين واللاجئين التي يديرها جهاز “مكافحة الهجرة غير الشرعية” في مختلف أنحاء ليبيا.
[vi] بتاريخ 13 مارس 2023 قام ديوان رئاسة الوزراء (حكومة الوحدة الوطنية) بتوجيه مذكرة إلى إدارات التعاون بالوزارات والهيئات “بضرورة الالتزام بما خلص إليه الرأي بعدم شرعية كافة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني التي لم يتم تأسيسها استناداً على أحكام القانون رقم (19) لسنة 2001م بشأن الجمعيات الأهلية”. القانون المشار اليه قانون تعسفي، وضع شروطاً تعجيزية وأعطى السلطة التنفيذية حق رفض طلب إشهار جمعية بمجرد عدم الرد على الطلب، أدى إلى حرمان المواطنين والوافدين من حق التجمع السلمي وحق تأسيس جمعيات. ونتيجة لذلك لم يكن في ليبيا، حتى نهاية عام 2009، سوى (433) جمعية أهلية مشهرة، كما جاء في الفقرة رقم (37) من التقرير الوطني الذي قدمته الدولة الليبية في الجولة الأولى من الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في ليبيا. بعد سقوط النظام السابق تأسست أكثر من 6000 جمعية أهلية مستقلة، واستندت في تأسيسها على المادة رقم (15) من الإعلان الدستوري الصادر في عام 2011 والذي نصت على “… حُرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات وسائر مُنظمات المُجتمع المدني، ويصدر قانون بتنظيمها”.
[vii] وبالرغم من إعلان حكومة الوحدة الوطنية عن تراجعها عن إجرائها التعسفي والجائر، إلا أنها لم تتراجع عن قرارها رقم (138 لسنة 2023م) “بتشكيل لجنة دائمة وتحديد مهامها”. وفقا لهذا القرار تقوم الحكومة بتشكيل لجنة تابعة لها “لدراسة طلبات شهر الجمعيات الأهلية”.