تقارير

مذبحة سجن أبوسليم جريمة لا تسقط بالتقادم !؟

25 عام مرت على مذبحة سجن أبو سليم ولازال الضحايا وعائلاتهم ينتظرون الإنصاف وإحقاق الحق فيما تقول الجهات المسؤولة أن القضية سقطت  عن 79 متهم في القضية بحجة انقضاء مدة التقاضي

اين يقع سجن أبو سليم ؟ 

المكان : سجن أبو سليم يقع داخل أسوار معسكر قيادة الشرطة العسكرية في ليبيا، ويتكون من سجنين متماثلين: السجن المركزي والسجن العسكري.

السجناء:

• يوم 2 مارس 1988 كان عدد السجناء السياسيين حوالي 530 سجين،

• يوم 3 مارس 1988 تم الإفراج عن 404 سجين في “عفو عام” عُرِفَ “بأصبح الصبح”،

• يوم 8 مارس 1988 تم الإفراج عن 22 سجين، و

• حوالي 100 سجين ظلوا معتقلين في السجن المركزي، لم يشملهم “العفو العام”.

تنامي تعداد السجناء:

بعد ذلك العفو العام، 3 مارس 1988، قامت السلطات الأمنية للنظام السابق بشن حملات اعتقال كبيرة في سنوات مختلفة من 1988 إلى 1996؛

• في الفترة من ديسمبر 1988 إلى مارس 1989 قامت السلطات باعتقال مئات المواطنين من مختلف مدن ليبيا. السجناء تم تصنيفهم إلى ثلاثة فئات؛ فئة “أ” وفئة “ب” وفئة “ج”،

• في أكتوبر 1993، في أعقاب محاولة الانقلاب، اعتقلت الأجهزة الأمنية بضع مئات من العسكريين والمدنيين،

• في ربيع وصيف 1994 اعتقلت الأجهزة الأمنية عشرات المدنيين في أحداث “حصار اجدابيا”،

• نهاية شهر مارس 1995 قامت السلطات الأمنية بالإفراج عن 306 سجين من الفئة “ج” من سجن أبو سليم، و

• في الفترة من منتصف مايو 1995 إلى أغسطس 1995 قامت السلطات بشن عدة حملات اعتقال واسعة، اعتقلت فيها المئات ، خاصة في مدن بنغازي ودرنة والبيضاء واجدابيا في الشرق وطرابلس ومصراته في الغرب.

وضع السجن في سبتمبر 1995:

• زادت أعداد السجناء في أبو سليم، نتيجة لهذه الحملات، بشكل مستمر، وظروف السجن تدهورت بشكل خطير،

• في السجن المركزي الوضع كان؛

o العنابر رقم 1 ورقم 2 كان فيها السحناء من الفئة “ج”،

o العنابر رقم 3 إلى رقم 6 كان فيها السجناء من الفئتين “أ” و “ب”،

o العنابر رقم 7 ورقم 8، زنزانات انفرادية، كان فيها المعتقلون في قضية أكتوبر 1993، و

o كل من ثبت من خلال التحقيقات، والتي كانت كلها تتم تحت التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة للكرامة، أنه “ينتمي إلى تنظيمات محظورة” تم نقلهم إلى السجن المركزي.

• في السجن العسكري؛

o عنبر رقم 1 كان فيه السجناء “100”، المعتقلين الذين لم يشملهم “العفو العام” في مارس 1988، و

o العنابر من رقم 3 إلى رقم 8 كان فيها المعتقلون الذين لا زالوا قيد التحقيق، التحقيقات كانت تتم في مبنى إدارة السجن.

الجمعة 28 يونيو 1996:

مساء يوم الجمعة، الموافق 28 يونيو 1996، قامت مجموعة من السجناء بالهجوم على ثلاثة حراس في العنبر رقم 4، من السجن المركزي، خلال فترة توزيع وجبة العشاء. وقع إطلاق نار وقتل فيها بعض السجناء بالإضافة إلى أحد الحراس، وتمكن السجناء في العنبر رقم 4 من فتح بعض العنابر ما عدا عنابر الانفرادي وعنابر الفئة “ج”.

في المساء وصل فريق أمني كبير يرأسه العقيد عبد الله السنوسي، رئيس الاستخبارات العسكرية، وطلب مندوبين عن السجناء، مندوب من كل عنبر (من رقم 3 إلى رقم 6)، أربعة مندوبين وبدأت مفاوضات لفك الاعتصام وعودة السجناء إلى زنزاناتهم.

مطالب السجناء تلخصت في أربعة نقاط:

1. توفير رعاية طبية لبعض السجناء المرضى،

2. تحسين ظروف السجن (رعاية طبية، الطعام، النظافة، مياه الشرب، معاملة الحراس، …)،

3. إنهاء وضعهم القانوني المعلق، اعتقال طويل بدون محاكمة، وذلك بعرضهم على النيابة وعلى القضاء ليبث في قضاياهم، و

4. والسماح لأقاربهم بزيارتهم، فتح باب الزيارة وإنها حالة الاعتقال في معزل عن العالم الخارجي.

المفاوضات استمرت حتى ساعة متأخرة وعاد السجناء إلى الزنزانات بعد حصولهم على تعهدات من الوفد الأمني، بقيادة عبد الله السنوسي، بالاستجابة لمطالبهم. حوالي الساعة الثانية من فجر يوم السبت الموافق 29 يونيو 1996. تم حل الأزمة سلميا من خلال التفاوض.

السبت 29 يونيو 1996:

في الصباح الباكر من يوم السبت حضرت حافلات وصعد فيها حوالي 150 سجين لغرض نقلهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج، بعضهم كان من جرحى أحداث الليلة السابقة والغالبية كانوا مرضى وضعهم الصحي متدهور بسبب أمراض مزمنة أو أمراض خطيرة بعضها معدي مثل الدرن.

السجناء من الفئة “ج”، العنابر رقم “1” ورقم “2”، نقلوا من السجن المركزي إلى السجن العسكري الملاصق له. كما تم نقل بعض السجناء من السجن العسكري إلى السجن المركزي.

حوالي الساعة الحادية عشر قبل الظهر بدأ سماع إطلاق رصاص بشكل مكثف، واستمر حوالي ساعتين.

موقف السلطات من المذبحة:

بالرغم من العزلة والسرية، التي كانت تشهدها ليبيا بسبب القبضة الأمنية الخانقة والحصار الدولي على ليبيا بقرار من مجلس الأمن يتعلق بقضية لوكربي، إلا أن الأنباء عن المذبحة تسربت وانتشرت، وقامت منظمة العفو الدولية  بنشر “تحرك عاجل” بعنوان “ليبيا: سجناء سياسيون في سجن أبو سليم، طرابلس – تخوفات حول سلامتهم / قتل متعمد / إهمال صحي، (AI Index: MDE 19/07/96)” بتاريخ 19 يوليو 1996.

السلطات الليبية لم تقم فقط بإنكار وقوع المذبحة، بل تعدت ذلك باستمرارها في إنكار وجود أي سجناء سياسيين أو سجناء رأي في ليبيا.

في شهر سبتمبر عام 2000، تم تغيير إدارة السجن، وظروف السجن بدأت في التحسن. آمر جديد للسجن تولى إدارة السجن . تغيير إدارة السجن وتحسين الظروف نسبيا وتعامل الأجهزة الأمنية مع القضايا الأمنية ربما كانت نتيجة لمراجعة داخلية أو لظهور سيف الإسلام القذافي على المشهد السياسي آنذاك. فقد ظهر على المشهد الليبي في عام 1998 وأسس لاحقا، في عام 2003، جمعة حقوقية تتبع “مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية” التي أسسها عام 1998. 

في أكتوبر من عام 2000، المعتقلون تم إحالتهم إلى مكتب الادعاء في “محكمة الشعب”، محكمة استثنائية تم حلها بقرار من المؤتمر الشعبي العام في مارس 2006.

انحسار العزلة والاعتراف بالمذبحة:

في شهر يناير 2003 تم انتخاب ليبيا لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهذا وضع ليبيا تحت الضوء فيما يتعلق بواقع حقوق الإنسان في ليبيا. وفي نهاية العام أتفق النظام السابق مع أمريكا وحليفتها بريطاني بالتوقف عن سعيه للحصول على “أسلحة الدمار الشامل” والكشف عن المشروع، وبدأت مرحلة انفتاح على العالم الغربي.

منذ تأسيسها في عام 2003، تحدثت جمعية حقوق الإنسان التابعة لمؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية حول “ضرورة معالجة انتهاكات حقوق الإنسان شاملة الوفيات رهن الاعتقال”.

في شهر فبراير من عام 2004 وصل فريق من منظمة العفو الدولية وسمح لهم بزيارة معتقل أبو سليم والالتقاء بالمعتقلين، وبزيارة أقارب بعض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وفي نهاية الزيارة التقوا بالعقيد القذافي في سرت وتحدث معهم حول “أحداث سجن أبو سليم”، وكانت تلك المرة الأولى التي يقوم بها النظام بالاعتراف بوقوع المذبحة وإن كان برواية مغايرة للوقائع، ولكن كانت اعترافا بأنه وقع “تمرد في السجن وهرب بعض السجناء ومات آخرون”.

القذافي في 18 أبريل 2004 في خطاب أمام المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وغيرها من أعضاء السلطات القضائية، أكد على ” … حق العائلات في أن تعرف ماذا حل بأبنائها أثناء الحوادث التي وقعت في سجن أبو سليم في 1996، والتي قتل أثنائها عدد كبير من السجناء …”.

وفي زيارة ميدانية لطرابلس التقى فريق من منظمة هيومان رايتس ووتش، في شهر مايو 2009، بوزير العدل “أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل” آنذاك المستشار مصطفى عبد الجليل، وفي اللقاء وفي معرض الاستفسار عن حادثة القتل الجماعي في سجن أبو سليم، حسب تصريح للمنظمة، أشار الوزير إلى أنهم، آنذاك، قد قاموا “بإبلاغ ما بين 750 إلى 800 عائلة عن وفاة ذويهم في سجن أبو سليم وتبقى حوالي 400 عائلة لم يتم بعد إبلاغهم”.

تحصلت التضامن على وثائق بها قوائم ضحايا مذبحة سجن أبو سليم. الأسماء مقسمة إلى قائمتين؛ قائمة من تم الإبلاغ عن وفاتهم ويبلغ عددهم 587 ضحية، وقائمة مستهدف الإبلاغ عنهم ويبلغ عددهم 571 ضحية، أي أن العدد الإجمالي حسب القوائم للضحايا هو 1158 ضحية، ألف ومائة وثمانية وخمسون. بعد أن نشرت التضامن القوائم لأول مرة بتاريخ 29 يونيو 2016، في الذكرى العشرين للجريمة، أبلغت عائلة الشراني، التي فقدت ثلاثة من أبنائها، منظمة التضامن بأن قوائم التضامن لم تشمل أبنائها، ولذا العدد الإجمالي 1161 ضحية.

تنسيقية أهالي ضحايا سجن ابو سليم:

 في صيف 2007، وفي سعيها لمعرفة مصير ذويهم، قامت مجموعة من أسر ضحايا مذبحة سجن ابو سليم، 94 عائلة، برفع قضية أمام محكمة شمال بنغازي الابتدائية لتلزم السلطات الليبية بالإفصاح عن مصير ذويهم. المحكمة رفضت القضية، بتاريخ 24 يونيو 2007، بدعوى عدم الاختصاص، الأسر استأنفت أمام محكمة استئناف بنغازي والتي حكمت بالاختصاص، بتاريخ 19 أبريل 2008، فعادت القضية للمحكمة الابتدائية والتي قضت بتاريخ 8 يونيو 2008 “بإلزام الدولة بالكشف عن مصير عشرات السجناء في مذبحة أبو سليم”. وقامت أسر أخرى برفع قضية أمام محكمة شمال بنغازي والتي حكمت بإلزام السلطات الليبية بالكشف عن مصير 80 سجين من سجناء أبو سليم.

هذه الأسر انتظمت في رابطة تنسيقية لتنسق تحركاتهم أمام القضاء واعتصاماتهم أمام المحاكم وأمام مؤسسات الدولة، ولرفض السلطات اعتماد التنسيقية كجمعية أهلية، نظرا للقيود الصارمة آنذاك على ممارسة حق التجمع السلمي، استمرت في العمل كتنسيقية حتى سقط النظام بعد ثورة 17 فبراير والتي كانت الشرارة الأولى فيها اعتقال المتحدث باسم التنسيقية المحامي فتحي تربل وإثنين من زملاءه يوم 15 فبراير 2011.

لجنة حقوق الإنسان في جنيف:

قامت منظمة التضامن لحقوق الإنسان وبالتعاون مع المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب، مقرها جنيف، برفع شكوى ضد نظام القذافي أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والتي خلصت إلى أن السلطات الليبية ارتكبت انتهاكات جسيمة في حق ثلاثة ضحايا من ضحايا مذبحة سجن ابو سليم وأسرهم، في ثلاثة قضايا منفصلة ، وطالبتها بالكشف عن مصير الضحايا وتعويض أسرهم لجبر الضرر.

وخلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في ليبيا، أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، في الجولة الأولى ، 9 نوفمبر 2010، كانت قضية مذبحة سجن ابو سليم حاضرة بقوة، حيث طالبت بعثات الكثير من الدول الأعضاء في المجلس السلطات الليبية بضرورة التحقيق المحايد والمستقل في المذبحة ومحاسبة من تورطوا فيها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى