بيان بشأن قرار رئيس حكومة الوفاق ترقية ضباط عسكريين
قام السيد رئيس المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، بترقية عدد واحد وخمسون ضابطاً (51) ، ترقية استثنائية وذلك “لقيامهم بأعمال أولت الجيش الليبي شرفاً وفخراً” حسب ما ورد في نص القرار[i]. منظمة التضامن اطلعت على قائمة الضباط الذين شملهم القرار، وتعرب عن قلقها من أن القرار شمل أسماء ضباط متهمون أو يشتبه في ضلوعهم في جرائم خطيرة بعضها يرتقي الى جرائم ضد الإنسانية، وتطالب المجلس الرئاسي بإلغاء القرار.
قرار رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إضافة إلى أنه تجاوز اختصاصات[ii] “القائد الأعلى للجيش الليبي”، مخالفا للقانون رقم (11) لسنة 2012م، ويخالف الاتفاق السياسي الليبي[iii]، ويخالف القانون الدولي الذي يعتبر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم[iv][v] ولا بعفو عام أو خاص[vi]، فهو يرتقي إلى انتهاك جسيم لحقوق الإنسان، لا سيما للضحايا وأسرهم، وعدم المسؤولية تجاه المؤسسة العسكرية.
قرار الترقية شمل عدة[vii] ضباط لدى منظمة التضامن تحفظات حولهم، منهم عميد ركن مسعود ارحومة مفتاح الرجباني، وعميد فرج محمود أحمد البرعصي.
عميد ركن مسعود ارحومة الرجباني[viii] كان آمر كتيبة (373) مدفعية، التابعة للواء الحرس المدرع التابع لركن الوحدات الأمنية، متهم باستهداف المدنيين في مدينة الزاوية وقمع المظاهرات السلمية في شهر فبراير سنة 2011.
شهر نوفمبر 2012، شكلت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي لجنة تقصي حقائق[ix] للتحقيق في دور مسعود ارحومة الرجباني في قتل مدنيين في مدينة الزاوية، وحسب مذكرة[x] قبض صادرة عن مكتب المحامي العام في مدينة الزاوية، أثبتت التحقيقات “تورط عدة أطراف من بينها (مسعود رحومة مفتاح) برتبة (عميد ركن) آمر كتيبة (373) مدفعية سابقا في قمع الانتفاضة”[xi].
عميد فرج محمود أحمد البرعصي[xii]، تم تكليفه من قبل النظام السابق، يوم 16 فبراير 2011، مدير مديرية أمن الجبل الأخضر، ليحل محل العقيد حسن القرضاوي، من مدينة سبها، الذي رفض استخدام القوة ضد متظاهرين مسالمين. قام فرج البرعصي، آمر مديرية الأمن، وحسن المجعب، مدير جهاز الأمن الداخلي في البيضاء، ومعهم مئات الجنود[xiii]، باستخدام القوة المفرطة لقمع المظاهرات فقتلوا يوم 16 فبراير 2011 عدد 14 متظاهراً وجرح العشرات، بينهم أحداث. استخدام القوة المفرطة[xiv] لم ينجح في قمع المدينة، وأثار القمع حفيظة سكان المدينة ورجال الشرطة والأمن من أبناء المدينة، فانقلبوا على القوات الموالية لنظام القذافي وانضموا للمتظاهرين.
فرج البرعصي هرب حينها إلى مصر ولم يرجع إلا في صيف 2014 لينضم لما يسمى “عملية الكرامة”، وكلفه خليفة حفتر بمهمة “آمر منطقة الجبل الأخضر العسكرية”، ثم كلفه بمهمة “قائد قوات عملية الكرامة في بنغازي” في أكتوبر 2014، قبل أن يطرده من “عملية الكرامة” شهر أبريل 2015 ويضعه تحت الاقامة الجبرية في مدينة البيضاء[xv].
مطلع شهر نوفمبر 2014، تقريبا الخامس من نوفمبر، تداولت الصفحات الليبية على “شبكات التواصل الاجتماعي” تسجيل مرئي[xvi] (فيديو) يظهر فيه العقيد، آنذاك، فرج البرعصي في وسط مجموعة من الجنود وأعترف فيه بأنه أعطى الأوامر[xvii] لهدم بيوت المدنيين حيث قال “عندما دخل الجيش مدينة بنغازي، و قبلها دخل عدة مناطق مثل ’سيدي خليفة’ و ’دريانه’ و ’الكويفية’ [قري تقع شمال بنغازي]، كل من هو مشتبه و متورط في سفك دماء الليبيين تم إزالة المبنى الخاص به. الحكمة من هذا الإجراء، هذا التصرف، لكي تهدأ نفوس أولياء الدم [أقارب القتيل]، ولكيلا تكون في المستقبل مطالبات من أولياء الدم بأي إجراء لأن الدولة أنهت الموضوع، وهذا للمحافظة على اللحمة الاجتماعية في ليبيا“.
الأعمال التي أعترف بها العميد فرج البرعصي، وهي استهداف المدنيين العزل، والتي كانت في إطار سياسة ممنهجة، لحملة أدت، في ظرف بضعة أسابيع، إلى نزوح أكثر من 250 ألف نسمة من مدينة بنغازي، منهم 108 ألف نزحوا إلى أحياء أخرى داخل المدينة فيما نزح قرابة 150 ألف إلى مدن أخرى ليبيا[xviii].
ما قام به العميد فرج البرعصي، في فبراير 2011 وفي الفترة من أكتوبر 2014 إلى أبريل 2015، والأعمال التي أثبتت التحقيقات تورط العميد ركن مسعود ارحومة، في قمع المظاهرات في مدينة الزاوية عام 2011، ترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ولا يمكن وصفها بأنها “أعمال أولت الجيش الليبي شرفاً وفخراً“.
إن الترقية الاستثنائية التي منحت للعميد فرج البرعصي وللعميد ركن مسعود ارحومة، ترتقي إلى مكافأة مشتبه فيهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهذا يضر بالمؤسسة العسكرية وينم عن عدم الشعور بالمسؤولية تجاهها.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
طرابلس – ليبيا
[i] المجلس الرئاسي، مكتب القائد الأعلى للجيش الليبي: “قرار القائد الأعلى للجيش الليبي رقم (24) لسنة 2018م، بشأن ترقية ضباط استثنائياً”، 15 فبراير 2018، انظر (LHRS PRS-105-02-18 Annex 001.pdf).
[ii] الفقرة رقم (8) من القانون رقم (11) لسنة 2012م تنص على أن من اختصاصات القائد الأعلى للجيش الليبي “تعيين الضباط ومنحهم الترقيات الاعتيادية والاستثنائية والقدم الممتاز وإنهاء خدماتهم بناء على اقتراح من رئيس الأركان وتصديق وزير الدفاع“، قرار الترقية لم ينص في ديباجته على “اقتراح رئيس الأركان” وموافقة “وزير الدفاع”. القانون رقم (11) لسنة 2012م “بتقرير بعض الأحكام في شأن صلاحيات المستويات القيادية بالجيش الليبي”، صدر عن المجلس الوطني الانتقالي بتاريخ 13 فبراير 2012م ونشر في الجريدة الرسمية، العدد رقم (3) السنة الأولى، بتاريخ 16 أبريل 2012م.
[iii] الأحكام الإضافية، المادة رقم 11 “تضمن المؤسسات المنبثقة عن الاتفاق السياسي الليبي عدم مقاضاة أي من الأشخاص لأسباب تقتصر على قتال الخصوم اثناء النزاع. ولا تنطبق هذه الضمانة على أي شخص قد يكون ارتكب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية أو غيرها من الجرائم التي ينص عليها القانون الدولي إذ لا تخضع مثل هذه الجرائم للإفلات من العقاب.”
[iv] المادة رقم (29) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية “عدم سقوط الجرائم بالتقادم: لا تسقط الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة بالتقادم أياً كانت أحكامه.”،
[v] United Nations: “Convention on the non-applicability of statutory limitations to war crimes and crimes against humanity”.
[vi] International Committee of the Red Cross, Customary International Humanitarian Law: “Practice Relating to Rule 159. Amnesty, Section B. Prohibition on amnesty for war crimes”.
[vii] تسعى منظمة التضامن، منذ صدور القرار رقم (24)، إلى البحث والاستقصاء حول الأسماء التي شملها القرار، وحتى تاريخ هذا البيان تمكنت المنظمة من الحصول على معلومات حول 7 ضباط.
[viii] العميد ركن مسعود ارحومة مفتاح الرجباني، ورد اسمه على رأس قائمة الضباط الذين شملهم قرار الترقية الاستثنائية، “قرار القائد الأعلى للجيش الليبي رقم (24) لسنة 2018م، بشأن ترقية ضباط استثنائياً”. عينه السيد رئيس المجلس الرئاسي بمنصب المدعي العسكري العام بتاريخ 6 نوفمبر 2017، “السراج يُكلف العميد مسعود ارحومة بمنصب المدعي العام العسكري“، صحيفة المصدر أون لاين، م نوفمبر 2017. وقد سبق وأن كلف بمهام وزير الدفاع في حكومة الثني، في مدينة البيضاء، في شهر أكتوبر 2014، وظل حتى شهر أغسطس 2015 بدون موافقة مجلس النواب في طبرق الذي رفض رئيسه اعتماده بحجة أن “… أرحومة رجل متهم وموقوف ومطلوب في 8 قضايا وأنه رفض المثول أمام القضاء العسكري…”، الشرق الأوسط، 20 أغسطس 2015.
[ix] وزارة الدفاع، رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي، مذكرة تشكيل لجنة برئاسة عميد ركن منصور أحمد أبو حجر، وعضوية العقيد إبراهيم البهلول قشوط بالخير والعقيد علي منصور محمد العماري، 3 نوفمبر 2012، انظر (LHRS PRS-105-02-18 Annex 001.pdf).
[x] وزارة العدل، مكتب المحامي العام الزاوية، مذكرة قبضة موجهة الى رئيس مكتب الاستخبارات العسكرية الزاوية، بتاريخ 22 أبريل 2013، للقبض على مسعود رحومة مفتاح في القضية رقم 248/2012 الزاوية، انظر (LHRS PRS-105-02-18 Annex 001.pdf).
[xi] تحصلت التضامن على نسخة من مذكرة تاريخها 3 أغسطس 2011م، صادرة من “مجموعة عمليات تطهير نالوت” وموجهة إلى “غرفة العمليات الرئيسية” تقترح تشكيل “لجنة لتقصي الحقائق ووضع الغرفة الرئيسية في صلب الواقع الميداني الذي تعانيه غرفة عمليات تطهير نالوت”. هذه المذكرة تثير شبهات حول دور مسعود الرجباني في محاولات النظام السابق قمع الانتفاضة في منطقة جبل نفوسة، حيث ارتكبت الكتائب التابعة للقذافي انتهاكات جسيمة بعضها يرتقي لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، انظر (LHRS PRS-105-02-18 Annex 001.pdf).
[xii] الاسم بالكامل فرج محمود أحمد الحول البرعصي، تاريخ ومكان الميلاد 1 يناير 1952 بنغازي. اعتقل في قضية “التجسس (1) لسنة 1993” وأفرج عنه بتاريخ 22 مارس 1994م ولم يقدم للمحاكمة. أنهيت خدمته العسكرية بقرار “القائد الأعلى رقم 123 بتاريخ 4 أكتوبر 1994م والقاضي بالاستغناء عن خدماته بالشعب المسلح لاعتبارات تتعلق بالصالح العام”؛ أعيد للخدمة “بالشعب المسلح بموجب قرار القائد الأعلى رقم 132 بتاريخ 28 فبراير 1999؛ وبتاريخ 25 أكتوبر 2004م تم ندبه على سبيل التفرغ الكامل إلى “اللجنة الشعبية لشعبية الجبل الأخضر (محافظة الجبل الأخضر)”، أي انتقل للخدمة المدنية. بتاريخ 16 فبراير 2011 تم تكليفه مدير مديرية أمن الجبل الأخضر.
[xiii] المركز الإعلامي البيضاء: “بانوراما 17 فبراير في مدينة البيضاء (1)” و “بانوراما 17 فبراير في البيضاء (2)“، 16 فبراير 2016، “وصل فجر يوم 16 فبراير 2011، عن طريق قاعدة لبرق القريبة من مدينة البيضاء، 720 عنصر من اللواء (32) الذي كان يقوده خميس معمر القذافي، ومعهم مرتزقة أفارقة”.
[xiv] استخدام القوة المفرطة أثار غضب سكان المدينة ومنهم رجال الشرطة والأمن في المدينة، وانقلبوا على القوات الموالية وانضموا للمتظاهرين.
[xv] تحصلت منظمة التضامن على نسخة من رسالة أرسلها خليفة حفتر، بتاريخ 28 أبريل 2015 إلى رئيس مجلس النواب السيد عقيلة صالح متهما فيها العقيد فرج البرعصي بعدة تهم، منها “التآمر، والممارسات غير الأخلاقية، وعدم الكفاءة”، انظر (LHRS PRS-105-02-18 Annex 001.pdf).
[xvi] التضامن لحقوق الإنسان: “اعتراف العقيد فرج البرعصي بعمليات تدمير وحرق منازل المدنيين بمدينة بنغازي“، 24 ديسمبر 2014.
[xvii] نص تصريح العقيد فرج البرعصي باللهجة الليبية: “نحن الجيش لما دخل بنغازي، وقبلها دخل عدة مناطق سواء في ’سيدي خليفة’ أو ’دريانه’ أو ’الكويفية’ والآن خشوا بنغازي، كل من هو مشتبه ومتورط في سفك دماء الليبيين تم إزالة المبنى نتاعه الموجود. الحكمة نتاع الكلام هذا، هي، أو حكمة هذا التصرف لمنع أن يكون هناك، أولا يصافوا أولياء الدم ولضمان عدم مطالبتهم مستقبلا بأي إجراء لأن الدولة أنهت الموضوع، وهذا للمحافظة على اللحمة الاجتماعية في ليبيا“.
[xviii] جمعية الهلال الأحمر الليبي: “تقرير حول أعداد النازحين داخليا حتى 1 أبريل 2015“، 18 أبريل 2015. انظر الملحق (LHRS PRS-105-02-18 Annex 002.pdf) والملحق (LHRS PRS-105-02-18 Annex 003.pdf).