منظمة العفو الدولية
قالت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي الذي صدر اليوم إن الوباء العالمي قد فضح الإرث المروع للسياسات الخلافية والمدمرة المتعمدة التي أدامت عدم المساواة، والتمييز المجحف، والقمع، ومهدّت الطريق للخراب الذي أحدثه وباء فيروس كوفيد-19 في العالم وداخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
يغطي تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2020/21: حالة حقوق الإنسان في العالم 149 دولة، ويقدم تحليلاً شاملاً لاتجاهات حقوق الإنسان العالمية في 2020.
ويُسلّط التقرير الضوء أيضاً على الكيفية التي قوّض فيها قادة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وسائر أنحاء العالم مواجهة الوباء العالمي، مستغلين الأزمة استغلالاً لا يرحم لمواصلة هجماتهم على حقوق الإنسان.
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة الجديدة لمنظمة العفو الدولية: “لقد فضح وباء فيروس كوفيد-19 بشكل صارخ الإجحاف داخل الدول وفيما بينها وزاده عمقاً، وألقى الضوء على الاستهتار المذهل الذي أبداه قادتنا تجاه إنسانيتنا المشتركة. وإن عقوداً من السياسات الخلافية والتدابير التقشفية الخاطئة، وخيارات القادة بعدم الاستثمار في البنية التحتية العامة المتداعية تركت أعداداً كبيرة جدًا فريسة سهلة لهذا الفيروس.
“إننا نواجه عالماً تعمّه الفوضى. وفي هذه المرحلة من تفشي الوباء، يسعى حتى أكثر قادة العالم الموهومين جاهدين لإنكار تداعي أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية”.
الوباء يفاقم المخاطر التي يواجهها الأشخاص الأشد عرضة للانتهاكات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
أدت حالات الإجحاف السائدة – في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – في إطار التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب ثقافة التمييز المجحف الراسخ، إلى تأثر بعض الجماعات من الناس – ومن بينهم السجناء، واللاجئون، والمهاجرون، والأقليات – بشكل سلبي بالوباء وعلى نحو غير متناسب.
وفي دلالة واضحة على مدى ترسّخ التمييز المجحف في الأنظمة والقوانين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، تهرّبت السلطات الإسرائيلية من توفير اللقاحات لخمسة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة وغزة، عندما بدأت حملة التلقيح في ديسمبر/كانون الثاني 2020. وقد انتهكت هذه الخطوة الواجبات المترتبة على إسرائيل بشكل صارخ بوصفها دولة احتلال بموجب القانون الدولي.
كما واجه العديد من اللاجئين، والمهاجرين، والنازحين – المعرّضين أصلاً على نحو متزايد لخطر الإصابة بفيروس كوفيد-19 بسبب الاكتظاظ في المخيمات ومراكز الاعتقال،
مثل أولئك المقيمين في ليبيا – قيوداً على تنقلاتهم، ما حد من حصولهم على الوظائف، والحماية، ومن قدرة عمال الإغاثة الإنسانية على إيصال المساعدات إليهم.
وفاقم الوباء أيضاً الوضع المزري أصلاً للعمال والعاملات الأجانب في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المقيدين بنظام الكفالة المسيء في البحرين، والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة. وفي حين أن بعض دول الخليج اتخذت إجراءات لإلغاء الغرامات على البقاء بعد انتهاء صلاحية التأشيرة، فإن العديد من العمال الأجانب واجهوا أيضاً طرداً تعسفياً من وظائفهم، ولم تُسدد أجورهم طوال أشهر. وفي الأردن قلما حصل آلاف العمال الأجانب الذين خسروا وظائفهم على حماية اجتماعية أو عمل بديل.
وفي ليبيا حُرمت الأقليات في المناطق المهملة تاريخياً – مثل التبو والطوارق – من درجة كافية من الرعاية الصحية بسبب عدم قدرتهم على الدخول إلى المستشفيات التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المتنافسة أو أحياناً بسبب افتقارهم إلى الوثائق الرسمية.
وتقاعس مسؤولو السجون في شتى أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن استخدام الوباء لمعالجة الاكتظاظ المستشري عبر الإفراج عن المحتجزين احتياطياً أو أولئك المحتجزين بتهمة ارتكاب جرائم لا يعترف بها القانون الدولي. وقد فاقم وباء فيروس كوفيد-19 الرعاية الصحية القاصرة أصلاً في السجون التي تتسم بالظروف غير الصحية. وفي مصر، وإيران، والسعودية امتنعت السلطات عن تقديم الرعاية الصحية من باب العقاب، ما أدى إلى وقوع بعض حالات الوفاة في مصر.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية “إن عام 2020 كان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عاماً كارثياً للسجناء واللاجئين والمهاجرين والأقليات المهمشة أصلاً، وبسبب فيروس كوفيد-19 وجدوا أن وضعهم بات أكثر خطورة من أي وقت مضى. وقد فاقم الوباء من الانقسامات، والتمييز المجحف، وحالات الإجحاف السائدة في المنطقة. وينبغي على الحكومات إعطاء أولوية لتقديم قدر كاف من الرعاية الطبية في السجون، وللتخفيف من الاكتظاظ، والإفراج عن جميع الذين احتُجزوا تعسفياً”.
“ومن المهم للغاية أن تضمن الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تقديم الرعاية الصحية المتوافرة لديها – ومن بينها اللقاحات – بدون تمييز مجحف”.
عدم حماية العاملين الصحيين
عانى العاملون الصحيون في الخطوط الأمامية لمواجهة الوباء نتيجة الأنظمة الصحية المهملة عمداً، وتدابير الحماية الاجتماعية البائسة.
وفي مصر وإيران، هُدد العاملون الصحيون أو قُبض عليهم لأنهم جهروا بالانتقادات أو بواعث القلق حول مواجهة السلطات للوباء؛ ففي مصر احتُجز ما لا يقل عن تسعة عاملين صحيين، باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب بسبب تحدثهم علناً عن طريقة التعامل مع الوباء.
وفي مصر، وتونس، والمغرب، وسوريا لم تُقدّم للعاملين معدات وقاية شخصية كافية.
وأضافت هبة مرايف قائلة: “يجب الإقرار بالشجاعة التي أبداها العاملون الصحيون الذين عرّضوا حياتهم للخطر برغم المخاطر الهائلة. ومن الأهمية بمكان أن تضمن السلطات توفير حماية وافية للعاملين الصحيين في ظل بطء جهود التلقيح، وعدم ظهور أي بادرة على انحسار الوباء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”.
استمرار القمع مع استخدام بعض قادة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الوباء كسلاح
واصلت الحكومات في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قمع المنتقدين السلميين والإمعان في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. وواجه العديد منها وباء فيروس كوفيد-19 بإعلان حالات الطوارئ، أو في بعض الحالات، إصدار تشريعات مكرّسة لهذا الغرض استحدثت قيوداً إضافية على حرية التعبير أو التجمع.
وعبر كافة دول الخليج في البحرين، والكويت، وعمان، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة استخدمت السلطات وباء فيروس كوفيد-19 ذريعة لمواصلة قمع الحق في حرية التعبير، بما في ذلك بمقاضاة الأشخاص الذين نشروا تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي حول مواجهة الحكومات للوباء، متهمةً إياهم بنشر “أخبار كاذبة”.
وأعلنت السلطات في الجزائر والمغرب حالة الطوارئ الصحية، وعاقبت على الانتقاد المشروع المتعلق بالوباء باعتقالات وملاحقات قضائية. وفي المغرب، استُخدم قانون جديد للطوارئ الصحية لمقاضاة نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين المواطنين على انتقادهم لطريقة تعامل الحكومة مع الوباء. وفي مصر وإيران، واجه الصحفيون ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي المضايقة أو الاعتقال بسبب تعليقاتهم الانتقادية وتغطيتهم للوباء. وحتى في تونس، واجه النشطاء تهماً جنائية بسبب انتقادهم لعملية توزيع المساعدات من جانب السلطات المحلية خلال عملية الإغلاق الوطنية.
وفي مصر وإيران والسعودية، استمرت السلطات في اضطهادها للمدافعين عن حقوق الإنسان والمحتجين والمنتقدين السلميين بلا رحمة. وفي إسرائيل، لجأت السلطات إلى المداهمات، والمضايقات القضائية، وحظر السفر لترهيب المنتقدين السلميين – بمن فيهم ليث أبو زياد، مسؤول الحملات في منظمة العفو الدولية، الذي مازال ممنوعاً من السفر.
إخفاق التعاون الدولي في مواجهة فيروس كوفيد-19
كذلك عاث قادة العالم فساداً على المسرح الدولي، فعرقلوا جهود التعافي الجماعية من خلال منع التعاون الدولي أو تقويضه.
ويضم هؤلاء :
- قادة الدول الغنية مثل الرئيس السابق ترامب الذي أحبط جهود التعاون العالمي بشراء أغلبية كميات اللقاحات المتوافرة في العالم تاركاً كميات لا تُذكر للدول الأخرى. وتقاعست هذه الدول الغنية أيضاً عن حمل شركات المستحضرات الصيدلية على إشراك الآخرين بمعرفتها وتكنولوجيتها لزيادة كميات لقاحات فيروس كوفيد-19 في العالم.
- عرضت مجموعة العشرين تعليق سداد الديون المستحقة على الدول الأشد فقراً، لكنها طالبت بإعادة تسديد الأموال مع الفائدة فيما بعد.
وأضافت أنياس كالامار قائلة: “لقد فضح الوباء عجز العالم عن التعاون بفعالية في أوقات الحاجة العالمية الماسّة”.
“وينبغي على الدول ضمان توافر اللقاحات على وجه السرعة للجميع، وفي كل مكان، وبشكل مجاني. وينبغي على شركات المستحضرات الصيدلية أن تُشرك الآخرين في معرفتها وتكنولوجيتها حتى لا يتخلف أحد عن الركب. ويتعين على أعضاء مجموعة العشرين والمؤسسات المالية الدولية تخفيف أعباء الديون عن الدول السبع والسبعين الأشد فقراً، وذلك لمواجهة الوباء والتعافي منه”.
استمرار الاحتجاجات للمطالبة بالحقوق
في حين لجأت الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى وسائل قمعية لترهيب منتقدي طريقة تصديها للوباء، إلا أن الناس استمروا في شتى أنحاء المنطقة في المطالبة بحقهم في الصحة، وتحقيق العدالة، والعيش الكريم.
ونظّم العاملون الصحيون، في المغرب وتونس، احتجاجات ضد النقص في إجراءات الحماية الوافية، ومن ضمنها معدات الوقاية الشخصية.
وفي لبنان، وبعد مضي أيام فقط على الانفجار الذي دمّر مرفأ بيروت، شنت قوى الأمن حملة قمع ضد المحتجين العزّل الذين دعوا إلى إنصاف الضحايا، فاستخدمت القوة غير القانونية، وأطلقت الغاز المسيل للدموع، والرصاص والكريات المطاطية بتهور على المتظاهرين العزل، وأوقعت ما يزيد على 230 جريحاً.
وحتى قبل بدء تفشي الوباء ظهر نمط واضح لاستخدام قوات الأمن في مختلف أرجاء المنطقة للقوة المفرطة وغير القانونية، في أغلب الأحيان، والقوة المميتة، في بعض الأحيان، لتفريق المحتجين من العراق إلى إيران.
وفي ليبيا، جوبهت الاحتجاجات النادرة الحدوث في شرق البلاد وغربها ضد الفساد والميليشيات والجماعات المسلحة، غير الخاضعة للمساءلة، بالقوة المميتة وعمليات الاختطاف.
وفي تونس، جرت احتجاجات ضد الصعوبات الاقتصادية التي ازدادت سوءاً عقب أشهر من عمليات الإغلاق الشامل، وقوبلت باستخدام القوة غير القانونية وغير المتناسبة، وباعتقالات واسعة النطاق.
وقد واصلت السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية، وإدارة الأمر الواقع التابعة لحماس في قطاع غزة، قمع الأصوات المعارضة، بما في ذلك بقمع حرية التعبير والتجمع، والاعتداء على الصحفيين، واحتجاز المعارضين.
واختتمت هبة مرايف قائلة: “بينما استغل القادة في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الوباء لتشديد الخناق على حرية التعبير، إلا أن الناس في المنطقة ظلوا يُبدون عدم الاستعداد للسكوت والتزام الصمت في وجه الظلم والجور”.
“وقد انتفض الناس في شتى أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – بدءاً من المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين البواسل الذين جهروا بآرائهم، وانتهاءً بالعاملين الصحيين الذين طالبوا بحقوقهم – من أجل المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية، وقد ازدادت حدة هذه المطالب في ضوء تفشي الوباء.”