الأخبارتقاريرليبيا والمنظمات الدولية

بيان بشأن زيارة مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى طرابلس

Ref: PRS 2024/11/107119.11.2024

بيان بشأن زيارة مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى طرابلس[1]

منظمة التضامن لحقوق الإنسان (منظمة التضامن) تدعو السلطات الليبية إلى ترجمة تعهداتها[2] “بمحاسبة ومعاقبة مقترفي الجرائم والانتهاكات التي نص عليها القانون الليبي وعدم الإفلات من العقاب” إلى أفعال على أرض الواقع وذلك بالتوقف عن تجاوز القضاء بإخلاء سبيل المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، كما فعلت عندما قامت بإخلاء سبيل قيادات في النظام السابق[3] رغم أنهم كانوا قيد المحاكمة.

منظمة التضامن تثمن جهود مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية في التحقيقات التي تقوم بها لتحديد المشتبه بهم في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي في ليبيا، والتي نأمل أن تؤدي إلى محاسبة الجناة وإنصاف الضحايا وعائلاتهم. كما تثمن منظمة التضامن تعاون مكتب النائب العام في ليبيا مع مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية، وفق مبدأ التكامل بين القضاء الوطني والمحكمة الدولية.

إعلان المحكمة الجنائية الدولية عن ستة أوامر قبض[4]، تتعلق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في مدينة ترهونة، والتي ارتكبتها مليشيا “الكانيات” الموالية لخليفة حفتر، تعتبرها منظمة التضامن تطور مهم في القضية. منظمة التضامن تدعو فريق المحكمة الجنائية الدولية وفريق مكتب النائب العام بالاستمرار في الجهود، وألا يقتصر العمل على صدور مذكرات القبض، واتخاذ خطوات عاجلة وعملية في القبض على المتهمين والذين بعضهم متواجد في ليبيا وبعضهم في دول الجوار.

تنوه التضامن إلى قضية في غاية الأهمية وهي متعلقة بالجرائم التي ارتكبت من قبل ما يعرف “بجهاز الأمن الداخلي” في عام 2011.  لقد قام مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبها جهاز الأمن الداخلي في الفترة من 15 فبراير 2011 إلى 24 أغسطس 2011، وأثبتت التحقيقات أن أفراد جهاز الأمن الداخلي قاموا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية[5]، واكتفت المحكمة بإصدار أمر قبض ضد رئيس الجهاز، اللواء التهامي محمد خالد، بتهمة المشاركة والمساهمة في ارتكاب تلك الجرائم لأن أفراد الجهاز كانوا خاضعين لسلطته وسيطرته الفعليتين[6].

القضية ضد التهامي أغلقت بعد ثبوت وفاته في مصر[7]. التحقيقات أثبتت تورط أفراد الجهاز، ومنهم قيادات عليا في الجهاز وفي فروعه، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أماكن شتى في أنحاء مختلفة من ليبيا منها الزاوية وطرابلس وتاجوراء ومصراته وسرت وبنغازي وتاورغاء، وكانت في سياق هجوم واسع النطاق ومنهجي شُنَّ على الأهالي المدنيين[8].

إننا في منظمة التضامن لدينا قناعة جازمة بأنه ما كان ينبغي وقف التحقيقات في جرائم جهاز الأمن الداخلي، لأن من قام بتنفيذ، أو الأمر بتنفيذ، تلك الجرائم الخطيرة لازالوا موجودين على قيد الحياة، وبعضهم في ليبيا. وكونهم تلقوا أوامر من رئيس الجهاز آنذاك، التهامي محمد خالد، هذا لا ينفي عنهم مسؤوليتهم عن تلك الجرائم. كما أن الجهاز، بعد أن تم حله[9] بقرار من المجلس الوطني الانتقالي في عام 2011، تم تفعيله من جديد[10]، وعاد جزء من كوادره يباشر عمله في عدة أجهزة أمينة ومنها جهاز الأمن الداخلي الحالي.

ولقد رصدنا في منظمة التضامن أن العديد من الانتهاكات التي ارتكبت في السنوات الأخيرة، خاصة في عامي 2023 ومطلع عام 2024، أرتكبها جهاز الأمن الداخلي الحالي. فعلى سبيل المثال شهر أبريل من العام الحالي شهد وفاة ثلاثة مواطنين وهم رهن الاعتقال لدى هذا الجهاز[11]، ولم يتم الإعلان عن التحقيق في أياً من هذه الوفيات ولا غيرها من جرائم الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري. عدم محاسبة جهاز الأمن الداخلي، أفرداً وقيادات، في الانتهاكات التي ارتكبها الجهاز قبل وخلال وبعد عام 2011، ساهم في تنامي الإفلات من العقاب. وهذا ربما الذي شجع السلطة التنفيذية على اقفال ملفات كثيرة لقيادات النظام السابق، مثل ما قامت به حكومة الوحدة الوطنية مع مسؤول جهاز الأمن الداخلي في طرابلس عبدالله منصور. حيث قامت بإخلاء سبيلة وهو الذي كان رهن المحاكمة بتهمة المشاركة المباشرة في جريمة القتل الجماعي لقرابة 1200 سجين في يونيو 1996، جريمة مذبحة سجن بو سليم، وهي التي نص القانون الليبي على أنها جريمة ضد الإنسانية.

عبد الله منصور كان مسؤول فرع جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، ولا زالت كوادر الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين تكتشف مقابر جماعية وفردية[12] دُفِن فيها ضحايا الجرائم التي ارتكبها جهاز الأمن الداخلي، وغيره من أجهزة النظام السابق، في عام 2011. ففي شهر أكتوبر الماضي، أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين اكتشاف مقبرة جماعية في منطقة بئر الأسطى ميلاد[13]، ضواحي بلدية تاجوراء، وتم انتشال 86 جثمان[14] تعود إلى عام 2011.

تدعو منظمة التضامن مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية إلى إعادة فتح قضية جهاز الأمن الداخلي أمام المحكمة، ومحاسبة من تثبت التحقيقات مشاركتهم في الجرائم الخطيرة التي ارتكبها الجهاز في الفترة من 15 فبراير 2011 إلى 24 أغسطس 2011، حتى لا يستمر الإفلات من العقاب للمجرمين، سواء كانوا أفراد أو كيانات. 

منظمة التضامن لحقوق الإنسان

طرابلس – ليبيا

 19 نوفمبر 2024

[1]  قناة ليبيا الأحرار: “خان يصل طرابلس لتقديم إحاطته لمجلس الأمن، وأول زياراته للنائب العام“، 18 نوفمبر 2024.

[2]  قناة ليبيا الأحرار: “المنفي والدبيبة يبحثان مع خان التعاون القضائي بين ليبيا والجنائية الدولية“، 18 نوفمبر 2024. اقتباس: “أكد المنفي أن ليبيا ملتزمة بمحاسبة ومعاقبة مقترفي الجرائم والانتهاكات التي نص عليها القانون الليبي وعدم الإفلات من العقاب”، و “شدد الدبيبة على أهمية الالتزام بمبدأ التكامل القضائي الدولي واحترام سيادة القضاء الليبي، مؤكدًا أن ليبيا ملتزمة بمحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات، بما يضمن عدم الإفلات من العقاب”.

[3]  الإفراج عن أبوزيد دورده، رئيس جهاز الأمن الخارجي (صحيفة العربي الجديد: “الإفراج عن أبوزيد دورده أبرز رموز نظام القذافي“، 17 فبراير 2019)، الإفراج عن البغدادي المحمودي، أمين اللجنة الشعبية العامة ورئيس “لجنة إدارة الأزمة” المسؤولة عن عمليات نظام القذافي لقمع الانتفاضة الشعبية في عام 2011 (قناة فرانس 24: “ليبيا: حكومة الوفاق تفرج عن البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي“، 20 يوليو 2019، والإفراج عن اللواء عبد الله منصور، مدير جهاز الأمن الداخلي في طرابلس (صحيفة العربي الجديد: “ليبيا: إطلاق سراح عبد الله منصور أحد رموز نظام القذافي“، 20 فبراير 2023).   

[4] المحكمة الجنائية الدولية: “بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أ. أ. خان بمناسبة فض أختام ستة أوامر قبض في الحالة في ليبيا“، 4 أكتوبر 2024. مذكرات القبض صدرت بتاريخ 18 يوليو 2023 وأعلنت عن فض أختام مذكرات القبض بتاريخ 4 أكتوبر 2024.

[5]  المحكمة الجنائية الدولية: “الحالة في ليبيا، أمر بالقبض على التهامي محمد خالد“، 18 أبريل 2013. انظر الفقرات (7-10).

[6]  المصدر السابق، الفقرات (11-12).

[7]  المحكمة الجنائية الدولية: “الحالة الليبية، قرار بإنهاء الإجراءات في حق السيد التهامي محمد خالد“، 7 سبتمبر 2022.

[8]  المحكمة الجنائية الدولية: “الحالة في ليبيا، أمر بالقبض على التهامي محمد خالد“، 18 أبريل 2013. انظر الفقرة (7).

[9] تم حل جهاز الأمن الداخلي وجهاز الأمن الخارجي بموجب قرار المجلس الوطني الانتقالي رقم (17) لسنة 2011. قام مجلس الوزراء بإنشاء جهاز المباحث العامة “قرار مجلس الوزراء رقم (325) لسنة 2013م بشأن إنشاء جهاز المباحث العامة“.

[10]  في عام 2018 أصدر رئيس “الحكومة الليبية المؤقتة”، الحكومة غير المعترف بها دوليا وكانت مقرها مدينة البيضاء، عبد الله الثني قرار رقم 291 لسنة 2018 بإعادة تسمية جهاز المباحث العامة الى جهاز الأمن الداخلي. ثم قام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، الحكومة المعترف بها دوليا ومقرها العاصمة طرابلس، بإصدار “القرار رقم (181) لسنة 2019م بإعادة تسمية جهاز” المباحث العامة إلى “جهاز الأمن الداخلي”.

[11] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “بيان بشأن حالات وفاة رهن الاعتقال التعسفي في المعتقلات التابعة للواء المتمرد خليفة حفتر في بنغازي وقرناده“، 22 أبريل 2024. اقتباس: “الجمعة الموافق 19 أبريل 2024 الإعلان عن وفاة المواطن سراج دغمان المعتقل في مقر جهاز الأمن الداخلي المنحل في بنغازي، السبت الموافق 20 أبريل الإعلان عن وفاة المواطن خالد مفتاح قطيشة المعتقل في سجن قرناده، والأحد الموافق 21 أبريل تم الإعلان عن وفاة المواطن الصديق مذكور الفرجاني المعتقل في سجن الكويفية.”

[12] من متابعة أخبار الهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين نجد أن الهيئة أعلنت على العديد من حالات العثور على جثث مجهولة الهوية تعود إلى عام 2011 أو التعرف على حالات من المفقودين: “التعرف على هوية ( 10 ) حالات جديدة مجهولة الهوية من مفقودي  سنة 2011“، 5 سبتمبر 2023؛ “التعرف على هوية (7) حالات جديدة من مفقودي سنة 2011“، 14 نوفمبر 2023؛ “التعرف على هوية (8) حالات جديدة من مفقودي سنة 2011“، 21 نوفمبر 2023؛ “التعرف على هوية (4) حالات جديدة تم استخراجها من مقبرة جماعية بالقرب من قاعدة الجفرة الجوية“، 23 نوفمبر 2023؛ “التعرف على هوية (7) حالات جديدة مستخرجة من عدة مقابر، بينها مقبرة قرب قاعدة الجفرة“، 23 نوفمبر 2023؛ “التعرف على هوية (3) حالات جديدة مجهولة الهوية من مفقودي 2011 و2014 بدرنة“، 12 ديسمبر 2023؛ “التعرف على (3) حالات مجهولة الهوية” من مقابر ترهونة ومقبرة بالقرب من قاعدة الجفرة، 16 يناير 2024؛ “التعرف على هوية (4) حالات جديدة مجهولة الهوية من مفقودي 2011 ومقبرة الجفرة“، 7 فبراير 2024؛ “التعرف على (4) حالات مجهولة الهوية من مفقودين 2011 وحالات جنائية محالة من النيابة“، 7 مارس 2024؛ “التعرف على هوية (4) مفقودين من مقابر ترهونة ومفقودي 2011“، 6 مايو 2024؛ “التعرف على حالة جديدة مجهولة الهوية“، من مفقودي 2011، 25 يونيو 2024؛ “التعرف على هوية (4) حالات جديدة مجهولة الهوية من مفقودي 2011 / 2013 / 2014“، 28 يوليو 2024؛ “التعرف على (1) حالة واحدة مجهولة الهوية من مفقودين 2011. و (3) حالات جنائية محالة من النيابة“، 6 أغسطس 2024.

[13] وكالة الأنباء الليبية: “اكتشاف مقبرة جماعية داخل منطقة بئر الاسطى ميلاد ببلدية تاجوراء تعود لعام 2011“، 21 أكتوبر 2024.

[14] موقع بوابة الوسط: “مديرية أمن تاجوراء توجه نداء بشأن مقبرة بئر الأسطى ميلاد“، 17 نوفمبر 2024.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى