بيان مشترك صادر عن أحد عشر منظمة ليبية غير حكومية بمناسبة
اليوم العالمي للطفل
أطفال ليبيا في يومهم العالمي بين ترف قرارات حكومية وضياع وفشل في تمكينهم من حقوقهم الأساسية
اليوم العالمي للطفل[1] هو يوم عالمي يوافق تاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل[2]، 20 نوفمبر 1989، والتي صادقت وانضمت إليها جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، 196 دولة، ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية[3]. كذلك، ويوافق يوم 20 نوفمبر تاريخ “الإعلان عن حقوق الطفل”[4] عام 1959.
ليبيا صادقت وانضمت إلى مجموعة من الاتفاقيات والعهود الدولية منها اتفاقية حقوق الطفل، إلا أن مجريات الأحداث، وتعثر الاستقرار على جميع الأصعدة، والظروف التي مرت بها الدولة الليبية خلال العقود الأخيرة، وفشل المؤسسات في تفعيل وتطوير القوانين الخاصة بحق الطفل، والتعامل بمرونة مع هذه النصوص وتعديلها ومراجعتها وتطويرها في كل حين وآخر؛ أدى كل ذلك إلى تراجع في ممارسات حقوق الطفل في ليبيا. وبعد تعثر العملية السياسية، لإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية بعد أربعة عقود من الحكم التعسفي، وانتشار النزاعات المسلحة، برزت الكثير من القضايا الخطيرة التي تشكل انتهاكاً لحقوق الطفل وتبتعد به عن المصلحة الفضلى للطفل، التي هي روح كل تلك القوانين والاتفاقيات التي صادقت عليها وانضمت إليها الدولة الليبية.
تناقضات كبيرة تشهدها الساحة الليبية عند الحديث على حقوق الأطفال. المتابع للقرارات الحكومية، الصادرة عن وزارة الشئون الاجتماعية، يجد العديد منها تتحدث على منحة للأطفال ومسابقات وتكريم للمتفوقين في المدارس وغيرها من الأنشطة. ولكن الواقع، الممارسات على أرض الواقع، مليء بالكثير من الانتهاكات وحرمان شريحة كبيرة من الأطفال لحقوقهم الأساسية. على سبيل المثال، لم تبلغ التشريعات الخاصة بالأحداث والأطفال فاقدي السند في ليبيا المأمول في تحقيق المصلحة الفضلى لهم. فلا يزال حتى الآن، عندما يتم القبض على الأحداث “القاصرين”، سواء ممن هم متهمون بجرائم جنائية أو ممن يشملهم حق الحماية أو الأطفال المهاجرين غير النظاميين، منذ لحظة القبض عليهم يُعامَلوا معاملة البالغين، ويتم احتجازهم في سجون مع البالغين باستثناء بعض الحالات في مدينة بنغازي بعد إعادة فتح سجن للأحداث.
كما لا يزال مستوى حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية والسلامة الجسدية في غاية الضعف، فالكثير من الاعتداءات لا يتم الإبلاغ عنها، وحتى التي يتم التبليغ عنها ينتهي الأمر بفتح محاضر لدى مراكز الشرطة، خصوصاُ عندما يكون الضحية من أطفال العمال والمهاجرين في ليبيا. رصدت المنظمات الحقوقية عشرات الشكاوى من وقوع تحرش واعتداء جنسي على أطفال العمال والمهاجرين من قبل أجانب وليبيين. كما استمرت معاناة الأطفال فاقدي الرقم الوطني (عديمي الجنسية) من أبناء الطوارق وغيرهم. فرغم كل الجهود التي بُذلت طيلة هذه السنوات لتسوية أوضاعهم القانونية التي وعدت بها السلطات الليبية، حتى قبل 2011، حيث صدرت قرارات من المؤتمر الشعبي العام تؤكد حقهم في تسوية وضعهم المدني. وحتى تاريخ اليوم، لازال النشطاء من المجتمع التارقي يناضلون، آخرها من خلال “حراك لا للتمييز”، من أجل الحصول على هذا الحق الذي وعدت به السلطات التشريعية والحكومات المتعاقبة.
خلال الإثني عشر شهرا الماضية تدهورت العملية التعليمية للأطفال، لكل الأطفال عموما وبشكل خاص للفئات الضعيفة من المهاجرين واللاجئين. في ديسمبر من العام الماضي أعلنت حكومة الوحدة الوطنية عن عزمها بناء 500 مدرسة جديدة[5] خلال عام 2024، في إطار مشروع “مدارس المستقبل”، ولكن حتى شهر سبتمبر الماضي لم تستلم مراقبات التعليم سوى 77 مدرسة من أصل 230 مدرسة تم تنفيذها حسب بيان حكومة الوحدة الوطنية[6]. ولا يزال الوضع في المدارس في غاية البؤس، وخاصة في الضواحي والأرياف وفي مناطق الجنوب والمناطق الحدودية، بسبب الاكتظاظ في الفصول وافتقار المدارس للمرافق الصحية وعدم توفر المياه الصالحة للشرب.
ومما فاقم من تدهور العملية التعليمية تأخر أعمال الصيانة في المدارس. فقد أدى تأخر تسليم مدارس في شرق ليبيا كانت تحت الصيانة، إلى حرمان المئات من الأطفال من العودة لمقاعد الدراسة في مدارسهم داخل مناطقهم. ولتعويض النقص في الفصول قامت بعض مراقبات التعليم إما بتنسيب التلاميذ إلى مدارس بعيدة عن مناطق إقامتهم، أو دمج الطلبة من أكثر من مدرسة في مدارسة واحدة على مرحلتين، صباحية ومسائية. وفي بعض المناطق تم تقليص عدد أيام الدراسة بسبب الاكتظاظ وعدم وجود قدرة استيعابية. كل هذه المعالجات أدت إلى خلق ضغوط على التلاميذ وأسرهم مما أثر سلبا على العملية التعليمية، التي هي أساسا متردية.
ومنذ مطلع العام الحالي زادت معاناة أطفال المهاجرين وطالبي اللجوء، خصوصاً النازحين من الحرب في السودان، المتواجدين في مخيمات ومزارع في مدينة الكفرة، حيث تعجز عائلاتهم عن تأمين المأوي لهم ناهيك على حق التعليم. كما يعاني الكثير من أبناء الجالية السورية المقيمة في بعض المدن من الحرمان من التعليم. في مدينة مصراتة تم منعهم من التسجيل والالتحاق بالدراسة في المدارس لاشتراط السلطات المحلية وجود إقامات وجوزات سفر سارية الصلاحية. بالرغم من أن العائلات تقيم في المدينة منذ سنوات ولا تستطيع تجديد جوازات السفر بسبب عدم وجود سفارة أو قنصلية سورية في ليبيا، كما أن الإقامات وتجديدها لم يحسم أمره في ليبيا، فكل مدينة لها ترتيبات خاصة بها، إضافة إلى ارتفاع تكلفة (رسوم) تجديد الإقامات. هذا ترتب عليه حرمان أكثر من 500 طفل في مدينة مصراتة وحدها من حق التعليم.
زاد الأمر تعقيداً بعد الانقسام الجديد الذي حدث في ليبيا بوجود حكومتين في الشرق والغرب، وهذا أدى إلى ارتباك في الآداء وضعف الرقابة في المؤسسات التابعة للدولة، خاصة دور الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأطفال ومراكز المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة من فئة الأطفال الموزعة بين الشرق والغرب والجنوب.
توصي المنظمات الموقعة على البيان:
السلطات الليبية
- وجوب مراجعة وتطوير التشريعات والإجراءات، الخاصة بالأطفال، بما يتوافق مع التزامات الدولة الليبية بموجب الاتفاقيات والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وبما يلبي حاجيات الأطفال والقاصرين ويحقق المصلحة الفضلى لهم.
- يجب على جهاز مكافحة الهجرة وجهاز حرس الحدود التوقف عن احتجاز القاصرين، خصوصا غير المصحوبين، وإحالتهم ويكونوا تحت إشراف الهلال الأحمر الليبي لحين تسوية أوضاعهم عن طريق المنظمات الدولية المعنية بعودتهم الى بلدانهم أو نقلهم إلى بلد ثالث.
- تكليف شرطة متخصصة، تؤهل تأهيلاً خاصاً، للتعامل مع الأحداث أثناء القيام بضبطهم والتحقيق معهم.
- إحالة ملف الأطفال (فاقدي الجنسية) للجهات التشريعية، لكي تعجل بإصدار قانون ينظم أوضاعهم القانونية، وكذلك إحالة ملف الأطفال فاقدي السند والذين ترفض دور الرعاية الاجتماعية استقبالهم، إلى جهات اختصاص قانونية تلزم هذه الدور بالقيام بواجبها من تسجيل وإيواء هذه الفئة من الأطفال.
- على مكتب حماية الطفل والمرأة في وزارة الداخلية والأقسام المعنية بحماية الطفل بفتح تحقيقات شاملة في قضايا التحرش والاعتداء على الأطفال، مع فرض توصيات على الجهات المعنية بتوفير ضمانات حماية للأطفال داخل المنازل وفي الأماكن العامة.
المنظمات الدولية:
- من المهم أن لا تتهاون المنظمات والوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة في ترتيب أولوياتها ومجالات عملها في ليبيا، وأن تكون حماية الطفل هي الأولوية الأهم لكل طفل يعيش على الأراضي الليبية.
- إعادة النظر في البرامج والأنشطة التي تقام في ليبيا، وجعل الأولوية لخطط تساهم في حماية حقيقية لسلامة الأطفال جسدياُ ونفسيا.
- تصميم برامج وتدريبات تساهم في كسر حاجز الخوف لدى الأطفال وعائلاتهم عند حدوث الاعتداء الجنسي أو التحرش بهم.
- التركيز على أطفال المهاجرين وطالبي اللجوء داخل وخارج مراكز الاحتجاز، والمطالبة الجادة بفصلهم عن البالغين في كل مراحل تواجدهم على الأراضي الليبية.
المنظمات والمؤسسات المحلية ووسائل الإعلام الليبية:
- تكثيف الجهود فيما بينها ورسم خارطة برامج وأنشطة تراعي الأهم للمصلحة الفضلى للطفل ومنها الحماية الجسدية والنفسية في ظل جائحة كورونا.
- الإكثار من البرامج والأنشطة التي تستهدف أولياء الأمور وحثهم على مراقبة أوقات تواجد أطفالهم معهم.
- حث أولياء الأمور للتأكد من أن أجهزة الأطفال مزودة بآخر تحديثات البرامج لمكافحة الفيروسات، وإجراء حوار مفتوح مع الأطفال حول كيفية التواصل عبر شبكة الإنترنت ومع من، وأين ومتى يمكن استخدام الشبكة. إضافة إلى التنبه لأي إشارات تشي بحالة من الكرب النفسي لدى الأطفال قد تظهر عند نشاطهم على الإنترنت.
- زيادة التشبيك والعمل الجماعي تجاه الضغط على الجهات التشريعية والسلطات المعنية في سرعة تفعيل اللوائح والقوانين التي من شأنها حماية الأطفال والقاصرين.
- يجب على وسائل الإعلام أن ترسم خطها التحريري والصحفي المتعلق بالطفل بما يتوافق مع مصلحته الفضلى وأن تحافظ على هوية الطفل في كل برامجها وتغطيتها.
المنظمات التي الموقعة على هذا البيان:
- حقوقيين بلا قيود، بنغازي.
- جمعية تبينوا لحقوق الإنسان، نالوت.
- منظمة البريق لحقوق الطفل، طرابلس.
- منظمة النصير لحقوق الإنسان، طرابلس.
- منظمة التضامن لحقوق الإنسان، طرابلس.
- جمعية بصمة أمل لأطفال التوحد، صبراتة.
- جمعية الخير للأشخاص ذوي الإعاقة، صبراتة.
- منظمة شموع لا تنطفي لذوي الإعاقة، صبراتة.
- منظمة إحقاق للتنمية المستدامة لحقوق المرأة والطفل، طرابلس.
- منظمة إحقاق للتنمية المستدامة لحقوق المرأة والطفل، طرابلس.
- المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة، طرابلس.
طرابلس – ليبيا
20 نوفمبر 2024
[1] الأمم المتحدة: “اليوم العالمي للطفل، 20 تشرين الثاني/ نوفمبر“.
[2] مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: “اتفاقية حقوق الإنسان“. اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، تاريخ بدء النفاذ 2 أيلول/سبتمبر 1990، وفقا للمادة 49.
[3] الولايات المتحدة الأمريكية وقعت على الاتفاقية، ولكنها لم تنضم بعد إليها.
[4] جامعة مينيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان: “إعلان حقوق الطفل“. اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة رقم 1386 (د-14) المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959.
[5] موقع أصوات مغاربية: “ليبيا تعتزم بناء 500 مدرسة في 2024.. هل تحد من اكتظاظ الفصول؟“، 29 ديسمبر 2023.
[6] نشرة منهجيات نحو تعليم معاصر: “حكومة الوحدة الليبيّة تعلن بناء 230 مدرسة“، 27 أكتوبر 2024.