الصورة لفنانات يرتدين قبعات كتب عليها <<لا للتعذيب>> في اثناء فعالية احتفالية أقيمت احتفاء بمناسبة يوم حقوق الإنسان في العاصمة الصومالية مقديشو. الصورة © الأمم المتحدة/Tobin Jone
“يهدف التعذيب إلى إفناء شخصية الضحية وإنكار الكرامة الكامنة لدى الكائن البشري.
وكانت الأمم المتحدة قد نددت بالتعذيب منذ البداية بوصفه أحد أحط الأفعال
التي يرتكبها البشر في حق إخوانهم من بني الإنسان.“[i]
[i] الأمم المتحدة، اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.
التعذيب[i] جريمة بموجب القانون الدولي. وهو محظور تماماً وفق جميع الصكوك ذات الصلة، ولا يمكن تبريره في ظل أية ظروف. وهو حظر يشكل جزءاً من القانون العرفي الدولي، ويعني ذلك أنه يلزم كل عضو من أعضاء المجتمع الدولي، دون اعتبار لما إذا كانت الدولة قد صادقت على المعاهدات الدولية التي تحظر التعذيب صراحة أو لم تصادق عليها. وتشكل ممارسة التعذيب على نحو منتظم وبشكل واسع النطاق جريمة ضد الإنسانية[ii].
لمساندة ضحايا التعذيب، بهدف القضاء التام على التعذيب وتحقيقاً لفعالية أداء اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة أعلنت الجمعية العامة[iii]، في قرارها 52/149 بتاريخ 12 ديسمبر 1997، يوم 26 يونيو يوماً دولياً للأمم المتحدة.
وبالرغم من انضمام ليبيا[iv] إلى الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وصدور قانون[v] يجرم التعذيب، ولكن بسبب انتشار السلاح والمليشيات المسلحة، لا زالت جريمة التعذيب في ليبيا منتشرة على نطاق واسع في السجون ومراكز الاعتقال التي تديرها وتشرف عليها أجهزة تتبع حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا، المعترف بها دوليا، وكذلك في المراكز والمعتقلات التي تتبع “الحكومة المؤقتة” التي تتخذ من مدينة البيضاء مقراُ لها ومعترف بها فقط من طرف مجلس النواب في طبرق.
وقد وثقت منظمات محلية[vi] ودولية في تقاريرها التعذيب في مراكز الاعتقال، أحدثها تقرير[vii] السيدة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان في فبراير من هذا العام، الذي أشار[viii] الى أن “الاحتجاز التعسفي والحرمان غير القانوني من الحرية، والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة تُمارَس بشكل ممنهج” ومن أنماط التعذيب[ix] الأكثر شيوعاً “الضرب والحرق بالسجائر والصعق بالكهرباء والتهديد بالقتل، والحرمان من العلاج الطبي، والتعليق في أوضاع مجهدة، والإيداع في أماكن صغيرة خانقة”.
ومن أنماط التعذيب التي يتعرض لها بعض المعتقلين، باعتقال أقاربهم، وقد وثق تقرير السيدة المفوض السامي، في سياق التقرير عن حقوق الطفل، قضية[x] احتجاز “قوة الردع الخاصة”، التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، “ثلاثة أطفال دون الخامسة من العمر بعد توقيف والديهم في مدينة زليتن في 3 فبراير 2018، ولم يُسمح لأقارب ومحامي الأطفال المحتجزين بالتواصل معهم”. وقد تابعت التضامن هذه القضية، ولا يزال الأطفال الثلاثة ووالدتهم، حتى تاريخ اعداد هذا التقرير، محتجزون في معتقل معيتيقه بالرغم من مناشدات أقارب الأطفال بالإفراج عنهم لرعايتهم.
وفي شهر ديسمبر الماضي نشر مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تقريراً[xi] يُفصّل سلسلة مروعة من الانتهاكات والاعتداءات[xii] التي يتعرض لها المهاجرون واللاجؤون في مراكز الاحتجاز التابعة “لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية”[xiii]. وأشار تقرير السيدة المفوض السامي[xiv] أمام مجلس حقوق الإنسان إلى أن “المهاجرين يتعرضون تلقائيا لانتهاكات وتجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان، بينها القتل غير المشروع، والاحتجاز التعسفي، والحرمان غير القانوني من الحرية في ظروف فظيعة، والتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، والاغتصاب وغيره من أعمال العنف الجنسي، والإكراه على البغاء، والعمل القسري، والاستغلال. ومن بين مرتكبي هذه الانتهاكات والتجاوزات موظفون حكوميون…”.
أغلب الانتهاكات لا يتم التحقيق فيها أو محاسبة مرتكبيها بسبب ضعف أجهزة إنفاذ القانون في أغلب مناطق ليبيا، وفي بعض المناطق تعطلها بالكامل، وهو ما ترك الضحايا وأقاربهم يفقدون الأمل في الحصول على انتصاف لقضاياهم من الجناة، والحصول على جبر الضرر، محليا في ليبيا.
ولكن ضعف أو غياب المحاسبة محليا لا يعني عدم إمكانية محاسبة الجناة كليا، فالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب تمنح ضحايا التعذيب الفرصة لملاحقة الجناة قضائيا في أي دولة انضمت للاتفاقية. فوفقا للمادة الخامسة للاتفاقية تتخذ كل دولة طرف ما يلزم من الاجراءات لإقامة ولايتها القضائية على جرائم التعذيب في الحالات التي يكون فيها مرتكب الجريمة المزعوم موجودا في أي اقليم يخضع لولاياتها القضائية. عدد الدول الأطراف للاتفاقية يبلغ 164 دولة حول العالم[xv].
مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، لديه آليات خاصة[xvi] لمتابعة تطبيق الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ولتوثيق أي انتهاكات. من هذه الآليات الخاصة “المقرر الخاص[xvii] المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة“.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان، وفي إطار توثيق انتهاكات حقوق الانسان في ليبيا، تقوم بجمع بلاغات من الضحايا أو من أقاربهم، ترجمتها ومن تم تقديمها الى الآليات الخاصة الموضوعية. ومن أجل تيسير الأمر للمنظمات الليبية وللضحايا قامت التضامن بإعداد مذكرة موجزة تحتوي على تعريف بولاية “المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، كيفية تقديم بلاغ للمقرر الخاص، والبلاغ النموذجي المعتمد لدى مكتب المقرر الخاص. مرفق بهذا البيان نسخة من المذكرة.
منظمة التضامن تدعو الضحايا والمنظمات الحقوقية الليبية الى ضرورة توثيق جرائم التعذيب لدى المقرر الخاص المعني بالتعذيب، وكذلك كافة الانتهاكات الأخرى لدى الآليات الخاصة بها. الآليات الخاصة، الخبراء وفرق العمل، تقوم بمخاطبة السلطات الليبية ومساءلتها، وبناء على تفاعل السلطات مع الآليات من عدمه وبناء على البيانات المتوفرة تقوم بإصدار رأيها القانوني. هذه الآليات الخاصة توفر السبيل لتوثيق الانتهاكات
[i] اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، المادة (1) الفقرة (1): “لأغراض هذه الاتفاقية، يقصد ‘بالتعذيب ‘ أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد ،جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف ،أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو ارغامه هو أو أي شخص ثالث – أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأى سبب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.”، اعتمدتها الجمعية العامة وفتحت باب التوقيع والتصديق عليها والانضمام اليها بموجب القرار رقم (39/46) المؤرخ في 10 ديسمبر 1984، وأصبحت نافذة بتاريخ 26 يونيو 1987.
[ii] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998، المادة رقم (7) الفقرة (و).
[iii] الأمم المتحدة، اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.
[iv] ليبيا انضمت الى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة بتاريخ 16 مايو 1989.
[v] سن المؤتمر الوطني العام القانون رقم (10) لسنة 2013 “في شأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز”، بتاريخ 14 أبريل 2013، الجريدة الرسمية، السنة الثانية العدد رقم 7 ، 28 مايو 2013، صفحة 431.
[vi] منظمة التضامن وثقت عشرات الحالات التي تم العثور فيها على جثامين ضحايا عثر على جثامينهم ملقاة في شوارع فرعية وفي مكبات القمامة وعليها أثار تعذيب، بعضها قتل تحت التعذيب والبعض الآخر قتلوا خارج نطاق القضاء، بأعيرة نارية غالبا في الرأس: “جرائم الاختطاف والتعذيب والتصفية في شرق ليبيا“، 13 فبراير 2015؛ “يجب على حكومة الإنقاذ الوطني وقف الانتهاكات في طرابلس“، 15 نوفمبر 2015؛ “مديرية أمن البيضاء: قتل رهن الاعتقال“، 9 ديسمبر 2015؛ “التضامن تستنكر جريمة قتل السجناء المفرج عنهم من سجن الرويمي وتعتبرها جريمة قتل خارج نطاق القضاء“، 13 يونيو 2016؛ “مليشيات موالية لخليفة حفتر تقوم بأعمال تعذيب و إعدامات لمهاجرين“، 15 يوليو 2016؛ “جرائم قتل خارج نطاق القضاء تقوم بها “القوات الخاصة” الموالية لحفتر في مدينة بنغازي“، 15 يوليو 2016؛ “جريمة حرب: قتل أربعة عشرة ضحية خارج نطاق القضاء“، 1 أغسطس 2016؛ “جريمة جديدة من سلسلة جرائم القتل خارج نطاق القضاء“، 13 أكتوبر 2016؛ “يجب على مكتب النائب العام التحقيق في جرائم القتل خارج نطاق القضاء ونشر نتائج التحقيقات“، 7 فبراير 2017؛ “تواصل جرائم القتل خارج نطاق القضاء”، 6 مارس 2017؛
[vii] تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الأربعون: “حالة حقوق الإنسان في ليبيا، بما في ذلك تنفيذ المساعدة التقنية وبناء القدرات والجهود الرامية إلى منع انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وضمان المحاسبة عليها“، 4 فبراير 2019.
[viii] تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الأربعون، الفقرة 59.
[ix] تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الأربعون، الفقرة 64.
[x] تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الأربعون، الفقرة 36.
[xi] بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: “الأمم المتحدة: المهاجرون واللاجئون يقاسون “أهوالاً تفوق الخيال” وهم يعبرون ليبيا”، 20 ديسمبر 2018.
[xii] التقرير خلص إلى أن المحتجزون يتعرضون وبشكل ممنهج “للتجويع والضرب المبرّح والحرق بأجسام معدنية ساخنة والصعق بالكهرباء ويقاسون أشكالاً أخرى من سوء المعاملة وذلك بهدف ابتزاز الأموال من أسرهم عبر نظام معقد من التحويلات المالية”، وأضاف التقرير أن ” الغالبية العظمى من النساء والفتيات المراهقات اللواتي قابلتهن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أفدن بأنهن تعرضن للاغتصاب الجماعي من قبل المهربين أو تجار البشر … التعذيب وسوء المعاملة والسخرة والاغتصاب من قبل الحراس”.
[xiii] بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “اليأس والخطورة: تقرير حول أوضاع حقوق الإنسان للمهاجرين واللاجئين في ليبيا“، 18 ديسمبر 2018.
[xiv] تقرير مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة الأربعون، الفقرة 39.
[xv] United Nations Treaty Collection, status of the “Convention against Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading Treatment or Punishment”, as at 25th June 2018.
[xvi] الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان: خبراء مستقلون في مجال حقوق الإنسان مكلفون بولايات لتقديم تقارير ومشورة بشأن حقوق الإنسان من منظور مواضيعي أو خاص ببلدان محددة. ونظام الإجراءات الخاصة عنصر أساسي في آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ويغطي جميع حقوق الإنسان: المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتوجد، حتى 1 آب/أغسطس 2017، 44 ولاية مواضيعية و12 ولاية قطرية.
[xvii] Special Rapporteur on Torture and Other Cruel, Inhuman or Degrading
Treatment or Punishment (link).