أطفال في مدرسة الأمم المتحدة الدولية. © الأمم المتحدة/مارك جارتين
إن حق الأطفال في الحماية من العنف منصوص عليه في اتفاقية حقوق الطفل، ومع ذلك فإن بليون طفل يتعرضون إلى نوع من العنف العاطفي أو البدني أو الجنسي كل عام؛ ويموت طفل واحد من العنف كل خمس دقائق“[i]
[i] الأمم المتحدة، قضايا عالمية: “العنف ضد الأطفال“.
اليوم العالمي للطفل[i] هو يوم عالمي يوافق تاريخ اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل[ii]، 20 نوفمبر 1989، والتي صادقت وانضمت إليها جميع الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، 196 دولة، ما عدا الولايات المتحدة التي وقعت عليها ولكن لم تصادق على الاتفاقية. كذلك، يوم 20 نوفمبر يوافق تاريخ “الإعلان عن حقوق الطفل”[iii] عام 1959.
وأكدت الأمم المتحدة على أنه يمكن للأمهات والآباء والمعلمين والممرضين والأطباء والقادة الحكوميين وناشطي المجتمع المدني، ووزارات الأوقاف والمجتمعات المحلية، وأصحاب الشركات، والإعلاميين، وكذلك الشباب والأطفال أنفسهم، أن يلعبوا دورا هاما في جعل يوم الطفل العالمي ذا صلة بمجتمعاتهم من حيث إبراز مطالبهم وتسليط الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال. كما يتيح اليوم العالمي للطفل لكل واحد منا نقطة دخول ملهمة للدفاع عن حقوق الطفل وتعزيزها والاحتفال بها، وترجمتها إلى حوارات وإجراءات لبناء عالم أفضل للأطفال.
شهدت ليبيا تطوراً إيجابياً في حقوق الطفل منذ نشأتها ووضع دستور لها عام 1951. حيث كان المسار في غالب قوانينها وتشريعاتها يمضي بحق الطفل لوضع أفضل، خصوصا بعد أن صادقت وانضمت إلى بعض الاتفاقيات ؛ومنها اتفاقية حقوق الطفل، إلا أن مجريات الأحداث، وتعثر الاستقرار على جميع الأصعدة، والظروف التي مرت بها الدولة الليبية خلال العقود الأخيرة، من فشل المؤسسات في تفعيل وتطوير القوانين الخاصة بحق الطفل، والتعامل بمرونة مع هذه النصوص وتعديلها ومراجعتها في كل حين وآخر؛ أدى إلى تراجع في ممارسات حقوق الطفل في ليبيا، خاصةً بعد تعثر العملية السياسية، لإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية بعد أربعة عقود من الحكم التعسفي، وانتشار النزاعات المسلحة، كما برزت الكثير من القضايا الخطيرة التي تشكل انتهاكاً لحقوق الطفل وتبتعد به عن المصلحة الفضلى التي هي روح كل تلك القوانين والاتفاقيات التي صادقت عليها وانضمت إليها الدولة الليبية.
فعلى سبيل المثال، لم تبلغ التشريعات الخاصة بالأحداث والأطفال فاقدي السند في ليبيا المأمول في تحقيق المصلحة الفضلى لهم، فلا يزال حتى الآن ،عندما يتم القبض على الأحداث “القاصرين”، سواء ممن هم متهمون بجرائم جنائية أو ممن يشملهم حق الحماية أو حتى الأطفال المهاجرين غير النظاميين، منذ لحظة القبض عليهم يعاملوا معاملة البالغين ويتم احتجازهم في سجون مع البالغين. كما لم يشهد ملف الأطفال فاقدي السند أي تحسن ،فلا زال الأطفال فاقدي السند والمصابون بأمراض مثل فقدان المناعة المكتسبة (السيدا/الإيدز) ممنوعون من التسجيل في السجل المدني والإيواء في دور الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأطفال، بحجة أن اللوائح والقوانين تمنع ذلك، والحقيقة أن التشريعات القائمة تؤكد هذه الحقوق.
كما لا يزال انخراط القاصرين في المجموعات المسلحة ومشاركتهم في المواجهات المسلحة مستمراً، رغم بعض الجهود التي قامت بها منظمة اليونيسف في محاولة سحب المقاتلين من التشكيلات المسلحة وأثمرت في سحب عدد كبير منهم خصوصاً في بلدية الزنتان[iv]. ولكن عندما قامت المليشيات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر يوم 4 أبريل 2019 بالهجوم على العاصمة طرابلس، تصاعد النزاع المسلح،و تم رصد عشرات الحالات لانخراط أطفال في صفوف التشكيلات المسلحة ومشاركتهم في القتال، من قِبل جميع الأطراف، بعضهم خرج من مقاعد الدراسة الثانوية والتحق بالمقاتلين.
ورغم إعلان الأمم المتحدة في عديد المناسبات أنه من المهم حشد الدعم ضد استخدام الأطفال في النزاعات المسلحة، ورغم إطلاق سراح الآلاف من الأطفال نتيجة خطط العمل[v] التي قررها مجلس الأمن للأمم المتحدة[vi] وغيرها من الإجراءات التي تهدف الى إنهاء ومنع تجنيد واستخدام الأطفال من قبل القوات والجماعات المسلحة، إلا أنه لا تزال هناك تحديات خطيرة تواجه حماية الأطفال المتضررين من النزاع المسلح.
لم تهتم الجهات التشريعية في ليبيا عبر الحكومات المتعاقبة بوضع الأطفال، خصوصاً بعد الانقسام الذي حصل في وزارة الشؤون الاجتماعية إلى واحدة تتبع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، وأخرى تتبع الحكومة الموازية غير المعترف بها، وهذا أدى إلى ارتباك في الآداء وضعف الرقابة في المؤسسات التابعة للوزارة، خاصة دور الرعاية الاجتماعية الخاصة بالأطفال ومراكز المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة من فئة الأطفال المتوزعة بين الشرق والغرب والجنوب، وهذه الأخيرة منقسمة ومتذبذة في تبعيتها إلى أي حكومة تنصاع وتتلقى التعليمات، مما أثر بشكل سلبي وواضح على أوضاع الأطفال من هذه الفئات الهشة.
توصي منظمة التضامن بوجوب مراجعة وتطوير التشريعات والإجراءات، الخاصة بالأطفال، بما يتوافق مع التزامات الدولة الليبية بموجب الاتفاقيات والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وبما يلبي حاجيات الأطفال والقاصرين ويحقق المصلحة الفضلى لهم. كما تدعو التضامن إلى تكليف شرطة متخصصة، تؤهل تأهيلاً خاصاً، للتعامل مع الأحداث أثناء القيام بضبطهم والتحقيق معهم، كما أنه أصبح من المُلِح أن يحال ملف الأطفال فاقدي السند والذين ترفض دور الرعاية استقبالهم، إلى جهات اختصاص قانونية تلزم هذه الدور بالقيام بواجبها من تسجيل وإيواء هذه الفئة من الأطفال، كما يجب على جميع أطراف النزاع في ليبيا أن تقوم بتسريح جميع القاصرين ومن هم دون سن الثامنة عشر من التشكيلات المسلحة التابعة لها، وأن لا تتهاون المنظمات والوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة في ترتيب أولوياتها ومجالات تدخلها في ليبيا وتكون حماية الطفل هي الأولوية الأهم لكل طفل يعيش على الأراضي الليبية.
[i] الأمم المتحدة: “اليوم العالمي للطفل، 20 تشرين الثاني/ نوفمبر“.
[ii] مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: “اتفاقية حقوق الإنسان“. اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة 44/25 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، تاريخ بدء النفاذ 2 أيلول/سبتمبر 1990، وفقا للمادة 49.
[iii] جامعة مينيسوتا، مكتبة حقوق الإنسان: “إعلان حقوق الطفل“. اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة رقم 1386 (د-14) المؤرخ في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1959.
[iv] بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا: “الممثل الخاص لمنظمة اليونيسف يرحب بقرار بلدية الزنتان بعدم إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة“، 1 مارس 2016.
[v] United Nations, Office of the Special Representative of the Secretary-General for Children and Armed Conflicts: “Action Plans”.
[vi] مجلس الأمن طلب من مجموعة من أطراف النزاعات المسلحة، التي ترد أسمائها في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول “الأطفال والنزاعات المسلحة”، أن تقوم بإعداد خطط عمل لمعالجة الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال.