يصادف الثامن من مارس اليوم العالمي للمرأة، وهو حدث عالمي يحتفل بنضال وإنجازات المرأة – من السياسية إلى الاجتماعية – وكذلك الإنارة على جهود الحكومات والدول على صعيد الارتقاء بوضع المرأة خصوصاً.
في هذا اليوم مازالت مئات النساء في ليبيا يتعرضن لأشكال متعددة من العنف، منها المعنوي ومنها الجسدي الذى قد يصل إلى القتل، فضلا ً عما تتعرض له المرأة من مآس فى مناطق القتال فى ليبيا من التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة واللاإنسانية في السجون والمعتقلات. الغالبية العظمى من النساء ضحايا إعتقال تعسفي في ظل صمت مطبق من حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، والحكومات الأخرى التي تنازعها “الشرعية”.
تقرير[1] مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، بتاريخ 13 يناير 2017، يحتوي على بيانات ومعلومات [2] عن إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا، ترتكبها الجماعات المسلحة، وبعضها يتصرف بإسم الدولة، كما خلص إلى ذلك التقرير. وفيما يتعلق بالنساء فقد ذكر التقرير “تتعرض النساء المحتجزات والنساء المهاجرات بشكل خاص للإعتداء الجنسي وغيره من أشكال العنف. وعادة ما يحرس النساء المحتجزات في مراكز الإحتجاز، التي تديرها الجماعات المسلحة في جميع إنحاء البلاد، رجال لديهم إمكانية الوصول إلى زنزاناتهن دون عوائق” .[3]
وفقا للتقرير فإنه يوجد ضمن المحتجزين في معتقل معيتيقة، الواقع في قاعدة معيتيقة الجوية في طرابلس وتديره مجموعة “قوة الردع الخاصة”، عدد 200 إمرأة و 120 طفل، في ظروف قاسية، في “أماكن شديدة الاكتظاظ تفتقر إلى التهوية والضوء. ويقوم بحراسة النساء في السجن حراس ذكور.”[4] . الظروف القاسية وإستخدام أنماط وحشية من التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة واللاإنسانية ليس مقتصرا على معتقل معيتقية بل في عدد من مرافق السجون الأخرى في ليبيا، بينها سجن قرنادة شرق البيضاء وسجن الكويفية في بنغازي وسجنا الجوية وطمينة في مصراتة والسجون التابعة للمخابرات العسكرية في طرابلس [5].
ولقد أثرت حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، وبشكل مباشر، على الخدمات الصحية المقدمة للنساء الليبيات وخصوصا تلك المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية وصحة الأم والوليد والمراهق (SRMNAH)، إذ تتسبب في تناقص توفر العاملين بمجال هذه الخدمات، إذ تشير التقديرات إلى أن 60% من القابلات و % 85 من أخصائيي التوليد والنساء قد فقدوا من قوة العمل نتيجة للأزمة، فلم تبق سوى 400 قابلة و 53 أخصائياً للنساء والتوليد يخدمن 1.7 مليون امرأة في سن الإنجاب وما يُقدر ب 120000 ولادة في العام في عام 2015. وفي حين ترد الحكومة الليبية بأن جودة رعاية القبالة لم تتأثر كما أفادت تقارير المنظمات الدولية التي تشير الى أن بعض معدات وإمدادات SRMNAH الأساسية على الأقل شحيحة بسبب الأزمات، ويتمثل العجز بالأساس في الأدوات الجراحية، ومعدات إنعاش المواليد، ومعدات التوليد المعقمة، وأجهزة السونار[6].
وتستمر معاناة أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب، خاصة المقيمين منهم في ليبيا، من انعدام الحقوق التي من المفترض أن يتحصلوا عليها كونهم ولدوا في ليبيا، ورغم صدور القوانين التي تُقِرُّ بحصولهم على حقوق المواطنة.
ورغم ما أثبتته المرأة الليبية من كفاءة ومقدرة فى مجالات العمل المختلفة، إلا أن التمييز بين الرجل والمرأة لايزال واضح حتي بعد التغيير فى العام 2011 رغم أن التشريعات الليبية تؤكد على المساواة بين الذكور والإناث فى الحقوق والواجبات. وعلى الرغم من وجود نساء يحملن مؤهلات عليا وكفاءات متميزة من حيث الخبرة والدرجة الوظيفية، إلا أن جل تعيينات المناصب القيادية والإدارية العليا في مؤسسات الدولة اقتصرت على الرجال ولم يكن تأخر حكومة الوفاق في تفعيل قرار إنشاء وحدة لدعم وتمكين المرأة مفيدة بالخصوص.
التضامن لحقوق الإنسان تطالب السلطات الليبية المختلفة بضرورة وقف الإنتهاكات في حق المحتجزين كافة في سجون قرنادة في قرنادة، والكويفية في بنغازي، والجوية وطمينة في مصراتة، وسجون الإستخبارات العسكرية، وسجن الهضبة ومعتقل معيتيقة في طرابلس. إن التعذيب وغيرها من ضروب المعاملة السيئة واللاإنسانية وأعمال الإعتقال التعسفي والإخفاء القسري هي جرائم خطيرة وإرتكابها على نطاق واسع، كما هو جاري الآن، يجعلها ترتقي إلى جرائم ضد الإنسانية.
[1] مكتب المفوض السامي: “تقرير مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا، بما في ذلك مدى فعالية تدابير المساعدة التقنية وبناء القدرات التي انتفعت بها حكومة ليبيا“، 13 يناير 2017، سيتم مناقشة التقرير تحت البندان 2 و10 من جدول أعمال الدورة (34) لمجلس حقوق الإنسان بتاريخ 22 مارس 2017.
[2] بيانات والمعلومات الواردة في التقرير مصدرها “تقارير موثوقة تلقتها البعثة [بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا] ومكتب المفوض السامي” ومن خلال زيارات ميدانية قامت بها البعثة والمكتب لبعض السجون منها في مصراتة وطرابلس وسبها.
[3] الفقرة رقم (36) من تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان. ويضيف التقرير في الفقرة (36) “تتعرض النساء المهاجرات اللاتي يجتزن ليبيا باستخدام طرق التهريب، والنساء الموجودات في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية للاغتصاب. وروت نساء مهاجرات كن محتجزات كيف اقتادهن رجال مسلحون بعيدا عن زنزاناتهن المشتركة وتعرضن للاغتصاب المرة تلو المرة لعدة أيام “، وفي الفقرة (37) ” و’سُلمت’ نساء مهاجرات محتجزات لدى جماعات بايعت تنظيم الدولة إلى أفراد من المقاتلين قاموا باغتصابهن المرة تلو المرة. وكن يُضربن ويُقيدن إذا حاولن المقاومة”.
[4] الفقرة رقم (68) من تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان.
[5] . الفقرة رقم (67) من تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان.
[6] “قابلات على خط المواجهة تقديم خدمات القبالة في أوقات الأزمات” لمحة سريعة من دول عربية مُختارة 2016، تم إعداد هذا التقرير بطلب من «صندوق الأمم المتحدة للسكان – المكتب الإقليمي للدول العربية .» أدار عملية إعداد التقرير ونسقها دكتور محمد عفيفي، بمساعدة من السيدة مولي فير، ص 24-31.