يعاني أكثر من ثلاثة ملايين نسمة من سكان المنطقة الغربية والوسطى في ليبيا من ويلات الحرب منذ الرابع من ابريل 2019، ومن استهداف المدنيين بالقذائف العشوائية وقصف المرافق المدنية وعلى رأسها المستشفيات والمطارات وشبكات الكهرباء، وسط ظروف اقتصادية متردية تفاقمت نتيجة تعطيل المليشيات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر، إنتاج وتصدير النفط الذي يشكل أكثر من 90% من إجمالي الناتج القومي.
لم تقف معاناة المدنيين عند هذا الحد بل دخلت المنطقة في اجراءات حظر التجوال، الذي تم فرضه من ضمن الإجراءات الاحترازية[i] للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد منذ 21 مارس 2020، وما تبعها من قرارات[ii] بهذا الشأن من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق.
منذ ثلاثة أيام قامت مجموعة مسلحة بمنطقة الشويرف[iii] التي تسيطر عليها القوات التابعة لخليفة حفتر، بإجبار العاملين في محطة التحكم تحت تهديد السلاح بإغلاق خطوط نقل المياه إلى المنطقة الوسطى والغربية من ليبيا بما فيها العاصمة طرابلس.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها وقف إمدادات مياه الشرب؛ ففي تقرير منظمة التضامن الصادر بتاريخ 22 مارس 2020 بمناسبة “اليوم العالمي للمياه”[iv]، تم رصد عدد 71 اعتداءً مسلحاً وغير مسلح على منظومة مياه النهر الصناعي، معظمها وقع على المنظومة المياه التي تزود المنطقة الغربية والوسطى بمياه الشرب حيث يعيش ثلثي سكان ليبيا، قرابة 4 مليون نسمة. يأتي هذا الاعتداء على امدادات المياه في ظل جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث زادت حاجة الناس للمياه من أجل الالتزام بإجراءات النظافة والتعقيم الإضافية لمكافحة هذه الجائحة.
نصوص القانون الدولي الإنساني المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية[v] والنزاعات المسلحة غير الدولية[vi]، تحظر “مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري“، ويصنف نظام روما الأساسي[vii]، للمحكمة الجنائية الدولية، “تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم“، جريمة حرب.
إن منظمة التضامن تدعو المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية ومجلس حقوق الإنسان إلى إدانة هذه الجريمة، واتخاذ الاجراءات الفورية لفك الحصار الواقع على المدنيين، ووضع اسماء من قاموا بهذا الفعل الاجرامي على قائمة المطلوبين دولياً بتهمة ارتكاب جرائم حرب. كما تدعو حكومة الوفاق الوطني إلى اتخاذ كافة الإجراءات المحلية القانونية الكفيلة بردع مرتكبي هذه الاعتداءات وتقديمهم إلى العدالة.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
طرابلس – ليبي
[i] المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني: “قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم 215 لسنة 2020 بإعلان حظر التجول“، 21 مارس 2020.
[ii] المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني: “قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني رقم (238) لسنة 2020م بتقرير بعض الأحكام بقراره رقم (215) لسنة 2020م بإعلان حظر التجول“، 29 مارس 2020.
[iii] جهاز النهر الصناعي منظومة الحساونة-سهل الجفارة: “بيان جهاز تنفيذ وإدارة مشروع النهر الصناع، حول قيام مجموعة مسلحة بغلق صمامات التحكم بالتدفق المائي وإيقاف تشغيل آبار حقول المياه بمنظومة الحساونة سهل الجفاره“، 7 أبريل 2020.
[iv] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “بيان بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان“، 22 مارس 2020.
[v] اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977“، المادة (54) “حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين”، الفقرة (1) “يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”، الفقرة (2) “يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر”.
[vi] اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “الملحق (البروتوكول) الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977، المتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية“، المادة (14) “يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال. ومن ثم يحظر، توصلاً لذلك، مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري”.
[vii] اللجنة الدولية للصليب الأحمر: “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17 تموز/ يوليه 1998“، المادة (8) “جرائم الحرب”، الفقرة (ب-25) “تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف”.