منوعات

اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف

لطفلتان السودانيتان إكسيما (4 سنوات) وأختها زاميا في مكتبة بالمركز الثقافي بالفاشر بشمال دارفور. ©الأمم المتحدة/Albert  اGonzález Farran

يوافق يوم 23 أبريل[i] من كل عام “اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف” الذي أقرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) بدأً من عام 1995 تقديراً للكتب ومؤلفيها، ونشراً لثقافة القراءة والمطالعة واقتناء الكتب، ومن خلال مناصرة الكتب وحقوق المؤلف، تدافع اليونسكو عن الإبداع والتنوع والمساواة في الانتفاع بالمعارف[ii].

شهد سوق الكتب والفعاليات والأنشطة المتعلقة بالكتاب والتأليف في ليبيا منذ صيف عام 2011 إقبالاً كبيراً من كافة الأعمار، إذ كان مطلب حرية التعبير والإبداع أحد المطالب الرئيسة للمتظاهرين من جيل الشباب؛ ومباشرةً توفرت أنواع مختلفة من الكتب التي لم يكن من السهل الحصول عليها أو توفرها خلال فترة نظام القذافي الذي فرض رقابة مشددة على المطبوعات، بوضع قيودا متعددة على حرية التعبير والإبداع[iii]. فلم يكن ممكنا نشر رواية أو طبع قصة قصيرة مثلا إلا بعد أن تمر على الرقابة، مرة قبل طباعتها، ومرة أخرى قبل إصدارها، وفق أحكام قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972م[iv].

واستجاب المجلس الوطني الانتقالي لمطلب حرية الرأي والتعبير، والذي يُعد من حقوق الإنسان الأساسية[v]، فوضع الضمانة الدستورية والحصانة القانونية في الإعلان الدستوري[vi]. وقامت وزارة الثقافة في ذلك الوقت بإلغاء إدارة رقابة المطبوعات لتفتح المجال واسعا لطباعة الكتب وإصدارها برقم إيداع فقط من المكتبة الوطنية. شهدا عامي 2011 و2012، نتيجة لهذه المكاسب الحقوقية، ازدهاراً في الطباعة والنشر، فطُبعت العديد من الكتب والروايات دون تقييد، واستوردت المكتبات العناوين التي كانت ممنوعة في فترة نظام القذافي، ونُظمت الفعاليات الثقافية التي تحتفي بالكتاب، وزاد عدد أندية الكتب وأسواق بيع الكتب الجديدة والمستعملة[vii] بشكل ملحوظ.

إلا أن هذا الزخم لم يستمر وبدأ في الانحسار وظهرت على السطح عوائق عدة لحرية التعبير والإبداع تسببت بها مؤسسة عامة حينا، ومجموعة عسكرية أو دينية من خارج مؤسسات الدولة أحياناً أخرى، وخصوصا في ظل ضعف الدولة وعدم قدرتها على حماية مواطنيها. في مارس من عام 2015 تعرضت مكتبة الفرجاني الشهيرة في مدينة طرابلس لمداهمة عناصر الشرطة الجنائية مدججة بالسلاح وعبثت بمحتوياتها، وصادرت بعض كتبها، واقتادت الموظف الذي يديرها للتحقيق معه مرتين من قبل شيوخ ينتمون لتيار “سلفي”، إثر بلاغ من أحد المواطنين ضد المكتبة لبيعها رواية للكاتب التركي نديم غورسيل[viii]. كما أدانت مكتبة تجوال المتنقلة في بيان أصدرته في أبريل من العام 2017 قيام مجموعة مسلحة ببوابة اجدابيا تتبع ما يسمى بعملية الكرامة بمصادرة روايات وكتب أدبية مدعية أنها كتب تدعو للكفر والإلحاد والدعارة والتشيع[ix].

هذا وأصدرت الهيئة العامة للثقافة[x]، بتاريخ 23 يناير 2017، بياناً تدين وتشجب فيه بشدة ما حدث في مدينة المرج من قيام أفراد من مديرية الأمن بمصادرة شاحنة تحمل مجموعة من الكتب، بدعوى أنها كتب تدعو للإرهاب والطائفية[xi]، بمجرد الاطلاع على العناوين، وتستنكر هذه الإجراءات المنتهكة لحرية الرأي والتعبير. كما أثار استياء قطاع كبير من الليبيين قيام شيخ سعودي يدعى أسامة بن عطايا العتيبي[xii] بالإشادة بمصادرة مديرية أمن المرج شحنة الكتب[xiii]. كما لاقت خطبة صلاة يوم جمعة التي عممتها هيئة الأوقاف في شرق ليبيا، عن العلمانية؛ ردود فعل غاضبة، بعدما طالبت الخطبة بضرورة “التصدي لأصحاب هذا التيار، ومصادرة كتبهم، ومراقبة صفحاتهم الشخصية“، بحسب بيان للهيئة على صفحتها الرسمية، وجاءت الخطبة تحت عنوان: “دور العلمانيين في إفساد المجتمع بنشر كتب الضلالة والرذيلة[xiv].

وفي ذات السياق، أعلنت منظمة أهلية، “تجمع تاناروت للإبداع”، في بداية شهر سبتمبر 2017 تعليق نشاطه حفاظًا على سلامة أعضائه بسبب تكرار حالات الاعتداء على مقر التجمع وأعضائه في مدينة بنغازي. وقد ورد في بيان التجمع: “بات واضحًا بالنسبة لنا بعد إغلاق دار الفقيه حسن[xv] في طرابلس وهذه الهجمات التي يتعرض لها تجمع تاناروت، أن الثقافة في بلادنا تسير في اتجاه واحد، وأنها ليست قائمة على التواصل مع المجتمع، لأن المجتمع لا يقابلها في الاتجاه المقابل إلا برد فعل عنيف، وليس من قبيل الصدفة أن نجد هذه الحرب على الثقافة في كل مكان وفي وقت واحد“. إلا أن التجمع عاد لاستئناف نشاطه بعد تغيير مقره[xvi]. وأغلقت جماعة ليبية مسلحة تدعى “قوة الردع الخاصة” معرضا للقصص المصورة “كوميك كون” في العاصمة طرابلس بسبب ما وصفته بأنه يمثل خدشا “للآداب العامة” في البلاد[xvii].

ولم تقتصر الحملة على الكتب التي يراها البعض من أتباع التيار المدخلي كتباً “علمانية وإلحادًا”، إذ طالت كتب دينية وتاريخية، مؤلفوها ينتمون لتيارات تخالف التيار المسيطر على هيئة الأوقاف التابعة للحكومة المؤقتة في شرق ليبيا، وله تأثير كذلك على الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا. حيث ظهر في مقطع فيديو، نشر على صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قيام رجال شرطة بمدينة بنغازي بحرق أكثر من ستة آلاف كتاب[xviii] صودرت في وقت سابق من مكتبة الشيخ محمد التائب، عضو في أول مجلس محلي منتخب في بنغازي بعد ثورة فبراير عام 2011، كما تمت مصادرة مئات الكتب في علوم الفقه والتفسير والتاريخ من المكتبات العامة في مدينة بنغازي ومدينة درنة من قبل جهات موالية لقوات “عملية الكرامة”[xix]. كما أعلنت “مديرية أمن مدينة اجدابيا” في شهر يونيو 2018 عن مصادرتها لمجموعة كتب أثناء محاولة بيعها من قبل أحد الموزّعين، وتضمنت قائمة الكتب المصادرة عدة أسماء إلى جانب ابن خلدون. حضر في القائمة المؤرخ الليبي الطاهر الزاوي، حيث صودر كتاباه؛ “تاريخ الفتح العربي في ليبيا”، و “جهاد الليبيين في ديار الهجرة” وهو كتاب يؤرخ لجهاد الليبيين ضد الاستعمار الايطالي في المهجر[xx].

هذه التعديات على حرية تداول وبيع وطباعة الكتب في ليبيا وإقامة الأنشطة والفعاليات الثقافية المتعلقة بالكتاب والمؤلف تثير القلق والمخاوف حول مستقبل حرية التعبير والفكر والإبداع في ليبيا. إذ لا يكفي الدولة إصدار التشريعات والقوانين لحماية الحقوق، بل تحتاج لسلطة تنفيذية تطبق هذه التشريعات.

منظمة التضامن لحقوق الإنسان

طرابلس – ليبيا

[i] 23 أبريل هو تاريخ رمزي للأدب العالمي. في هذا التاريخ في عام 1616 توفي كل من سيرفانتس وشكسبير وإنكا غارسيلاسو دي لا فيغا. وهو أيضًا تاريخ ميلاد أو وفاة مؤلفين بارزين آخرين، مثل موريس درون، وهالدور لاكسنيس ، وفلاديمير نابوكوف ، وجوزيب بلا، ومانويل ميخيا فاليهو.

[ii] الأمم المتحدة: “23 نيسان/أبريل اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف“، موقع الأمم المتحدة.

[iii] هناك أمثلة عديدة نعرض منها عينات ومن أبرز الأمثلة على سجن المبدعين ما تعرض له الشاعر الليبي محمد الشلطامي الذي كان ضيفا دائما في سجون القذافي، فسجن أكثر من مرة نتيجة لقصائده الثورية الداعية لسقوط أنظمة الاستبداد والطغيان والممجدة لثورات الشعوب، كما سجن الكاتب “منصور بو شناف 14 عام بسبب كتابته لمسرحية عندما تحكم الجرذان، ومنعت روايته سراب الليل عام2008 . أما القاصّ أحمد يوسف عقيلة فقد طال الحظر قصة من مجموعته القصصية الخيول البيض العام 1999 . كما كانت رواية الكاتب هشام مطر في بلاد الرجال محظورة التداول في ليبيا. أما الروائية الليبية نجوى بن شتوان فتسببت قصتها «فخامة الفراغ» في استدعائها للتحقيق معها في نيابة الصحافة. ولم تمنح الرقابة موافقتها أيضًا على كتاب سجينات للقاص والمترجم عمر الككلي العام 2010، وهو عبارة عن نصوص سردية حول تجربة الحياة بداخل السجن، وقضى الككلي ما يقارب عشر سنوات في سجون الرأي في عهد القذافي. وأيضا منع مجلة عراجين الثقافية من التداول في ليبيا. (إعداد: المفكرة القانونية، حرية التعبير والفكر والإبداع في ليبيا: إرث مكبل بالقيود وحاضر قلق ومستقبل مجهول (1)، مقال منشور بموقع منبر ليبيا، بتاريخ 1ديسمبر2017).

[iv] تنص المادة الأولى من القانون رقم (76) لسنة 1972م على “بشأن المطبوعات على “الصحافة والطباعة حرة، لكل شخص الحق في حرية التعبير عن رأيه وفي إذاعة الآراء والأنباء بمختلف الوسائل وفقا للحق الدستوري المنظم بهذا القانون وفي إطار مبادئ المجتمع وقيمه وأهدافه“. المادة ضمنت حرية الصحافة والطباعة وحق كل شخص في التعبير عن رأيه وفى نشر الآراء والأخبار بمختلف الوسائل، ولكن قيدها بتعبير عام وفضفاض “في إطار مبادئ المجتمع وقيمه وأهدافه”، ليطلق العنان للسلطة التنفيذية في تأويلها واستخدامها كما تشاء.

[v] المادة رقم (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.”، والمادة رقم (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها”.

[vi] مركز جنيف لحوكمة قطاع الأمن (DCAF)، النصوص القانونية المتعلقة بالقطاع الأمني في ليبيا: “الإعلان الدستوري لسنة 2011- مع تعديلاته“. المادة (14): “تضمن الدولة حرية الرأي وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر، وحرية التنقل، وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام السلمي، وبما لا يتعارض مع القانون“.

[vii] موقع الجزيرة نت: “الكتاب يتنفس الحرية في ليبيا“، محمد الأصفر، 17 يوليو 2012.

[viii] موقع بوابة الوسط: “بالصور: «ابن تيمية» ينقذ «دار الفرجاني» في طرابلس من الإغلاق“، نهلة العربي، 19 مارس 2015.

[ix] موقع ليبيا المستقبل: “بوابة عسكرية في اجدابيا تصادر روايات وكتبا أدبية لمكتبة تجوال“، بتاريخ 9 أبريل 2017.

[x] الهيئة العامة للثقافة: “بيان الهيئة العامة للثقافة حول مصادرة كتب بالمرج“، 23 يناير2017.

[xi] من بين الكتب المصادرة روايات للروائي البرازيلي الشهير باولو كويلو الذي عبّر في تغريدة نشرها على حسابه بموقع التويتر عن غضبه الشديد تجاه مصادرة سلطات أمن المرج شرقي ليبيا شاحنة محملة بالكتب، بينما كانت في طريقها من طبرق إلى بنغازي.

[xii] الشيخ أسامة بن عطايا العتيبي، أحد أتباع الشيخ ربيع المدخلي، حضر إلى ليبيا في شتاء 2016/2017 بدعوة من اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث تجول في المدن والمناطق التي تخضع لسيطرة مليشيات حفتر، يلقي الدروس والمحاضرات. علاقة حفتر بأسامة العتيبي تعود إلى بدايات ما يسمى بعملية الكرامة، حيث يوجد تسجيل لمكالمة هاتفية بين حفتر والعتيبي بتاريخ 28 رمضان 1435هـ الموافق 25 يوليو 2014.

[xiii] موقع بوابة الوسط: “شيخ سعودي يخطب في أحد مساجد اجدابيا ويشيد بمصادرة الكتب“، 27 يناير 2017.

[xiv] موقع بوابة الوسط: “خطبة الجمعة لـ«هيئة أوقاف الموقتة» تثير موجة انتقادات بموقع «فيسبوك» من قبل الليبيين“، 28 يناير 2017.

[xv] موقع العربي الجديد: “دار حسن الفقيه”: إغلاق بقوّة السلاح“، عبد الله الشريف، 4 سبتمبر2017.

[xvi] موقع بوابة الوسط: “«تجمع تاناروت» يعلق نشاطه عقب الهجوم عليه في بنغازي“، 7 سبتمبر2017.

[xvii] موقع BBC بالعربي: “ميلشيا ليبية تغلق معرضا للقصص المصورة بتهمة “خدش الحياء العام“”، 5 نوفمبر 2017.

[xviii] الجزيرة نت: “شرطة حفتر تحرق آلاف الكتب الدينية ببنغازي“، 18 يونيو2017.

[xix] موقع قناة ليبيا الأحرار: “جهات موالية للكرامة تطلق حملة لمصادرة الكتب في درنة“، 17 أغسطس 2018.

[xx] موقع العربي الجديد: “مصادرة كتب في ليبيا: ابن خلدون في قائمة التكفيريين“، عبد الله الشريف، 27 يونيو 2018.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى