منوعات

اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء

 “لا يزال الأطفال في ليبيا، بمن فيهم الأطفال اللاجئون والمهاجرون، يتعرضون للمعاناة الشديدة وسط العنف والفوضى التي ظهرت جراء الحرب الأهلية التي طال أمدها في البلاد” ، تصريح صادر عن المديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور[i]

يحي العالم في الرابع من يونيو من كل عام “اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء”، بهدف الاعتراف بمعاناة الأطفال من ضحايا سوء المعاملة البدنية والعقلية والنفسية، ويؤكد هذا اليوم التزام الأمم المتحدة بحماية حقوق الأطفال وتسترشد في ذلك باتفاقية حقوق الطفل[ii]، وهي من أكثر معاهدة من معاهدات حقوق الإنسان الدولية من حيث عدد الدول التي صادقت عليها، والتي صادقت عليها وانضمت إليها ليبيا بتاريخ 15 أبريل 1993.

تنص المادة (38) من اتفاقية حقوق الطفل[iii]، على احترام قواعد القانون الإنساني فيما يخص الأطفال الموجودين في مناطق الحرب، حيث يجب اتخاذ جميع التدابير التي تضمن عدم مشاركة أطفال لم يتعدوا سن الـ 15 سنة، في الحرب، أو إلحاقهم في الخدمة العسكرية.

كما تنص المادة (39) من نفس الاتفاقية[iv]، على ضرورة اتخاذ الدول الموقعة التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة.

في ليبيا، ومع بدء الأعمال العدائية لما يسمى “بعملية الكرامة” في شهر مايو من عام 2014، التي يتزعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي أدت إلى حصول نزاعات مسلحة في مدن مثل بنغازي ودرنة في شرق ليبيا، تفاقمت معاناة الأطفال نتيجة الأعمال العدائية. حيث أشارت منظمة العفو الدولية في تقريرها عن أوضاع العائلات المحاصرة من طرف القوات التابعة لحفتر في منطقة قنفودة[v] إحدى ضواحي مدينة بنغازي بوقوع عدد 130 عائلة من بينهم العديد من الأطفال تحت الحصار الكامل في منطقة لا يتوفر فيها لا طعام ولا ماء صالح للشرب، ووصف التقرير الحالة الصحية للأطفال بأنهم “أصبحوا جلداً على عظم نتيجة عدم توفر الغذاء”، وفقا لشهادة أحد سكان المنطقة.

ووفقا لتقرير جمعية الهلال الأحمر الليبي[vi]، الصادر بتاريخ 18 أبريل 2015، فإن الحرب في بنغازي أدت إلى نزوح أكثر من 250 ألف نسمة من سكان المدينة، 100 ألف منهم نزحوا إلى أحياء أخرى من المدينة، فيما نزح البقية إلى مدن أخرى، الغالبية العظمى منهم إلى غرب ليبيا. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات من بداية الحرب، لا يزال عشرات الآلاف منهم نازحين داخليا في ليبيا ومهجرين خارج ليبيا، بسب الاستيلاء على الممتلكات وتهديدات مليشيات قبلية وأيدلوجية بالانتقام من النازحين[vii]. كما أدت الحرب الى تعطل الدراسة في جميع مدارس ومعاهد وجامعات المدينة لمدة عام كامل.

وبالمثل في العام 2016، فقد حاصرت القوات التابعة لحفتر مدينة درنة، التي يبلغ عدد سكانها 100 ألف نسمة، وتم قصف المستشفى العام الوحيد الذي يعمل بالمدينة وقطع عنهم إمدادات الوقود وغاز الطهي بشكل شبه كامل، إضافة لتعذر توفير التطعيمات الخاصة بالأطفال. كما أدى القصف المدفعي والجوي إلى وقوع العديد من الإصابات في صفوف الأطفال. ففي الفترة من أغسطس 2014 وحتى أغسطس 2018 بلغ عدد الأطفال ـ ضحايا القصف ـ 55 طفلا بين جريح وقتيل، وشكلوا 15% من عدد الضحايا المدنيين.

منظمة التضامن لحقوق الإنسان، في تقاريرها السنوية لرصد ضحايا المواجهات المسلحة في ليبيا، رصدت وقوع قرابة 220 طفل ضحايا للنزاع المسلح الدائر في البلاد. ففي عام 2017[viii] ، وقع عدد 61 طفلا ضحية للأعمال العدائية، وفي عام 2018 وقع عدد 49 طفلا[ix]، وفي عام 2019 وقع عدد 65 طفلاً[x] ضحايا للمواجهات المسلحة. وخلال الثلاثة أشهر الأولى من عام 2020 تزايدت نسبة أعداد الضحايا من الأطفال ليصل عدد الضحايا إلى 43 طفلاً[xi].

في ظل العدوان الذي تشنه المليشيات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر على مدينة طرابلس وضواحيها والذي انطلق في 4 أبريل 2019، تدهورت الأوضاع الأمنية والمعيشية والخدمية للأطفال بشكل خطير. فقد أشارت السيدة هنرييتا فور، المدير التنفيذي لليونيسف، [xii] إلى أن “الهجمات العشوائية في المناطق المأهولة بالسكان أدت إلى نزوح أكثر من 150 ألف إنسان 90 ألف منهم أطفال، كما تعرض الأطفال إلى القتل أو الإصابة بجروح، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال في القتال، وتعرضت للهجمات البنية التحتية؛ التي يعتمد عليها الأطفال للرفاه والبقاء، أصيب بالضرر حوالي 30 مرفقا صحيا نتيجة النزاع، مما اضطرّ 13 منها إلى الإغلاق. كما أن الهجمات على المدارس وتعرّضها للتهديد بالعنف أدى إلى إغلاقات، تركت حوالي 200 ألف طفل خارج مقاعد الدراسة وتعرّضت شبكات المياه للهجمات وقاربت أجهزة إدارة النفايات على الانهيار، مما يزيد بشكل كبير من خطر الأمراض المنقولة عن طريق المياه، ومن ضمنها الكوليرا”.

وأضافت “أن 60 ألفاً من الأطفال اللاجئين والمهاجرين الموجودين حالياً في المناطق الحضرية هم أيضاً في غاية الهشاشة، خاصة الأطفال غير المصحوبين أو المحتجزين، والبالغ عددهم 15 ألف طفل. كان لهؤلاء الأطفال وصولا محدودا لخدمات الحماية والخدمات الأساسية أصلاً، ما يعني أن النزاع المتصاعد قد زاد من المخاطر التي يواجهونها”.

وفي بيان مشترك لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف[xiii]، دقت المنظمتان ناقوس الخطر “بشأن النقص الحاد في اللقاحات في ليبيا والذي يُعرّض أكثر من 250,000 طفل لخطرٍ شديد. ويزداد الوضع سوءاً مع استمرار النزاع المسلح وجائحة فيروس كورونا المستجد وتعطل خدمات الرعاية الصحية وانقطاع التيار الكهربائي المنتظم ونقص إمدادات المياه الآمنة وإغلاق المدارس والأماكن الملائمة للأطفال”.

في اليوم الدولي لضحايا العدوان على الأطفال الأبرياء، تطالب منظمة التضامن أطراف النزاع الدائر في ليبيا باحترام قواعد القانون الإنساني، والالتزام بتوفير كامل الحماية والرعاية للأطفال سواء المتواجدين داخل أو قرب مناطق العمليات العسكرية، واتخاذ التدابير المناسبة للحد من آثار العدوان المسلح على الأطفال.

كما ندعو المنظمات الدولية إلى عدم الاكتفاء بالتنديد والقلق مما حصل ويحصل للأطفال في ليبيا، بل ندعوهم إلى اتخاذ الإجراءات التي من شأنها التأثير على مجلس الأمن والرأي العام العالمي للتحرك بشكل فاعل من أجل حماية الطفل في ليبيا.

[i] منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف): “ليبيا: عشرات الآلاف من الأطفال مُعرضون للخطر وسط العنف والفوضى الناجمة عن نزاع لا يهدأ“، تصريح صادر عن المديرة التنفيذية لليونيسف هنرييتا فور، 17 يناير 2020.

[ii] مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: “اتفاقية حقوق الطفل“، تاريخ بدء النفاذ: 2 أيلول/سبتمبر 1990 ، وفقا للمادة 49.

[iii] اتفاقية حقوق الطفل، المادة (38): “[1] تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد. [2] تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتراكا مباشرا في الحرب. [3] تمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة. وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعي لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا. [4] تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح.”.

[iv] اتفاقية حقوق الطفل، المادة (39): “تتخذ الدول الأطراف كل التدابير المناسبة لتشجيع التأهيل البدني والنفسي وإعادة الاندماج الاجتماعي للطفل الذي يقع ضحية أي شكل من أشكال الإهمال أو الاستغلال أو الإساءة، أو التعذيب أو أي شكل آخر من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، أو المنازعات المسلحة. ويجرى هذا التأهيل وإعادة الاندماج هذه في بيئة تعزز صحة الطفل، واحترامه لذاته، وكرامته”.

[v] منظمة العفو الدولية: “ليبيا: المدنيون محاصرون في بنغازي في ظل ظروف صعبة مع احتدام القتال“، 30 سبتمبر 2016.

[vi] جمعية الهلال الأحمر الليبي: “إحصائية أعداد النازحين بالأفراد حتى 1 أبريل 2015“، 18 أبريل 2015.

[vii] منظمة هيومن رايتس ووتش: “ليبيا: عائلات بنغازي النازحة تُمنع من العودة، تعذيب، إخفاء، واستيلاء على الممتلكات“، 1 فبراير 2018.

[viii] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “ليبيا : تقرير منظمة التضامن لحقوق عن ضحايا المواجهات المسلحة في ليبيا خلال عام 2017“، 29 أبريل 2018.

[ix] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “ضحايا المواجهات المسلحة في ليبيا خلال عام 2018“، 11 فبراير 2019.

[x] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “ضحايا المواجهات المسلحة في ليبيا خلال العام 2019“، 16 يناير 2020.

[xi] منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “ضحايا المواجهات المسلحة في ليبيا خلال الفترة من 1 يناير إلى 31 مارس 2020“، 10 أبريل 2020.

[xii] منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، تصريح صادر عن المديرة التنفيذية لليونيسف، 17 يناير 2020.

[xiii] منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي لشرق المتوسط، بيان صحفي مشترك بين منظمة الصحة العالمية واليونيسيف: “أكثر من 250 ألف طفل في ليبيا معرضون لخطر الإصابة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات“، 18 مايو 2020.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى