المساواة والدفع قُدُما بإِعمَال حقوق الإنسان
يحتفل العالم “بيوم حقوق الإنسان” في 10 ديسمبر من كل عام. ويرمز هذا اليوم لليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة[i]، في عام 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[ii]. يتعلق موضوع يوم حقوق الإنسان لهذا العام بتسليط الضوء على ❞ المساواة❝ والمادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[iii]، تحت شعار ” المساواة – الحد من التفاوتات والدفع قدما بإعِمَال حقوق الإنسان“.
في ليبيا، تمر هذه الذكرى والتمييز بين المواطنين والوافدين في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية يتنامى بشكل مضطرد.
يقبع الآلاف من المعتقلين في مراكز اعتقال مختلفة في جميع أنحاء ليبيا في ظروف غير إنسانية[iv] (ومن بينهم مئات في معزل يرتقي إلى الاخفاء القسري[v]) بدون محاكمة. مقابل ذلك، قامت السلطات الليبية بالإفراج عن أشخاص متهمون بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية[vi]. كما قامت السلطات بتعيين أشخاص، مشتبه في تورطهم في جرائم خطيرة في مواقع قيادية حساسة[vii]، مما يرتقي إلى قرار عفو أو تغاضي عن الجرائم المشتبه في تورطهم فيها.
وفيما حرصت السلطات التنفيذية والتشريعية المتعاقبة على توفير محاكمات علنية لقيادات النظام السابق، قامت بمحاكمات سرية لمئات المواطنين. يوم 5 ديسمبر الجاري أعلن مكتب النائب العام[viii] عن نتائج تحقيقات أجرتها لجنة خاصة في النيابة العامة في “الوقائع المسندة إلى الأشخاص الذين تم ضبطهم من قبل عناصر جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب” في 2845 واقعة. ووفقاً لبيان مكتب النائب العام، قد صدرت أحكام في 110 قضية، بينها أحكام إعدام والسجن المؤبد. مكتب النائب العام لم يقدم أي تفاصيل عن هذه المحاكمات.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الأطراف المتصارعة على السلطة في ليبيا عن المصالحة الوطنية والوفاق الوطني، لا يزال قرابة 200 ألف مواطن ومواطنة مهجرين داخليا[ix] لا يستطيعون العودة إلى مدنهم، وبعضهم تعرضت أملاكهم وعقاراتهم للنهب والمصادرة[x]. ويوجد في ليبيا نحو 610 ألف مهاجر[xi]، بينهم 41 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يتعرضون لانتهاكات جسيمة وسط عجز السلطات المحلية والمنظمات الدولية.
تنامى الفساد الإداري في الدولة، حيث أصبحت التعيينات في الوظائف العامة لا تتوقف على الكفاءات أو وفق سياسات خاصة للتنمية المكانية أو الاجتماعية، ولكن على شبكة العلاقات، المحسوبية والواسطة، ونفوذ المليشيات المسلحة. هذا الفساد الإداري فيه هدر لموارد الدولة، ويولد شعور بالظلم والحرمان وعدم المساواة في نفوس فئات كبيرة من المجتمع.
عدم المساواة والتمييز من انتهاكات حقوق الإنسان، وهي من بين أكبر التحديات التي تواجه العالم بأسره وليس فقط في ليبيا. ولا يمكن أن تكون هناك حظوظ لاستقرار وسلام حقيقي بدون عدالة ومساواة في الحقوق والواجبات، وهذه تتطلب اتخاذ تدابير مترسّخة في حقوق الإنسان[xii]، ومشاركة الجميع.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
طرابلس – ليبيا
10 ديسمبر 2021
[i] الجمعية العامة للأمم المتحدة: “الدورة الثالثة، القرار رقم (217-A) ’الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان’“، 8 ديسمبر 1948.
[ii] الأمم المتحدة: “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان“.
[iii] نص المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء”.
[iv] تفتقر هذه المراكز إلى المرافق الصحية والتهوية والمياه النظيفة، ويعاني العديد من المحتجزين من سوء التغذية والأمراض المزمنة، ولم تتحسن الظروف بسبب جائحة كوفيد-19. منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “بيان بشأن التدابير التي اتخذتها حكومة الوفاق لمواجهة خطر انتشار فيروس كورونا“، 18 مارس 2020.
[v] رصدت التضامن الأوضاع السيئة في هذه السجون والمعتقلات وحذرت السلطات الليبية من مغبة عدم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ما يجري في السجون ومراكز الاعتقال. منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “التعافي بشكل أفضل – الدفاع عن حقوق الإنسان“، 10 ديسمبر 2021.
[vi] قناة ليبيا الأحرار: “وزارة العدل تعلن الإفراج عن بوزيد دورده“، 18 فبراير 2019، بوزيد دورده كان رئيس جهاز الأمن الخارجي، المخابرات الليبية، في الفترة من 2009 إلى سقوط نظام القذافي في طرابلس في 23 أغسطس 2011. هيئة الإذاعة البريطانية (BBC): “الإفراج عن الساعدي القذافي ومغادرته ليبيا إلى إسطنبول“، 6 سبتمبر 2021، الساعدي القذافي نجل العقيد معمر القذافي وكان آمر معاون الوحدات الأمنية. عند بداية الاحتجاجات المدنية في فبراير 2011 أرسله العقيد معمر القذافي إلى بنغازي لقمع المظاهرات بقيادة الكتيبة الأمنية في المدينة، كتيبة الفضيل. قناة الحرة: “ليبيا.. الإفراج عن قيادي أمني سابق في نظام القذافي“، 7 سبتمبر 2021، اللواء ناجي حرير القذافي كان آمر كتيبة “امحمد” وهي كتيبة الحرس الخاص بالعقيد معمر القذافي، متهمة بارتكاب جرائم خطف وإخفاء قسري وقتل خارج نطاق القضاء، منها القتل سحلاً داخل معسكر باب العزيزية لأحد أفراد كتيبة “امحمد” [تحذير مشاهد وحشية] “جرائم كتائب القذافي: اعدام عبد السلام اخشيبة سنة 2005“.
[vii] مثلاً، مما قام به المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني: قرار تكليف العقيد المهدي البرغثي وزيراً للدفاع في حكومة الوفاق الوطني، فبراير 2016، البرغثي شارك في تخطيط وتنفيذ ما أسماه “انتفاضة 15 أكتوبر 2014” والتي استهدفت اعتداءات واسعة النطاق على بيوت المدنيين وأدت إلى نزوح ما يزيد عن 200 ألف من سكان مدينة بنغازي؛ ترقية العقيد فرج محمود البرعصي إلى رتبة عميد، بتاريخ 15 فبراير 2018، البرعصي كان قائد عمليات مليشيات حفتر في مدينة بنغازي في أكتوبر 2014، وقد صرح بأن أعمال هدم البيوت في تلك الفترة بأوامر من “الجيش”؛ قرار تعيين العقيد رشيد الرجباني رئيسا لجهاز المباحث العامة وتعيين العميد عبد القادر التهامي نائب رئيس جهاز المخابرات العامة وتكليفه بمهام رئيس جهاز المخابرات العامة، بتاريخ 25 أبريل 2017، الرجباني كان معاون مدير جهاز الأمن الداخلي في طرابلس عام 2011، والتهامي كان ضابطاً في جهاز الأمن الخارجي ومتهم في قضية قتل الشرطية البريطانية أمام السفارة الليبية عام 1984؛ قرار رقم (555/2018) بإنشاء جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، 7 مايو 2018، والذي أعطى صلاحيات واسعة النطاق لقوة الردع الخاصة التي تدير معتقل أنشأته في قاعدة معيتيقه، وتعتقل فيه مئات الأشخاص، بينهم نساء وأطفال، وتمارس فيه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان؛ قرار تعيين المقدم عماد الطرابلسي نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، 8 سبتمبر 2020، الطرابلسي كان آمر مليشيا “الصواعق” في الفترة من 2012 إلى 2014، قامت هذه المليشيا بالعديد من الاعتداءات على مقر المؤتمر الوطني العام، وفي مارس 2014 هدد الطرابلسي المجلس المحلي لمدينة طرابلس بحرب “يستباح فيها كل شيء ويدمر فيها كل شيء ولن يستثنى فيها أحد حتى الطائرات والأهداف المدنية مشروعة لأسلحتنا” على حد تعبيره بعد أن أعلن أن “كتيبة الصواعق تمتلك نصف مخزون ليبيا من المواد الكيماوية والأسلحة الجرثومية وغاز الخردل”؛ وقرار إنشاء “جهاز دعم الاستقرار” جهاز أمني، وقام بتعيين عبد الغني (غنيوه) الككلي رئيساً للجهاز الجديد، 11 يناير 2021، الككلي هو آمر مليشيا “قوة الردع المشتركة – أبو سليم” التي تسيطر على منطقة بو سليم والتي وردت عنها بلاغات عديدة في قضايا خطف وإخفاء قسري وتعذيب وقتل تحت التعذيب بالإضافة إلى الاعتقال التعسفي، مليشيا غنيوه تدير على الأقل معتقلين، معتقل في منطقة ابو سليم والآخر معروف باسم “سجن الحديقة” الذي مقره في غابة النصر في وسط مدينة طرابلس.
[viii] مكتب النائب العام – دولة ليبيا على موقع Facebook: “عقد السيد المستشار/ النائب العام اجتماعاًَ مع السادة أعضاء النيابة العامة المكلفين بالعمل في اللجنة المنوط بها إجراء التحقيق في الوقائع المسندة إلى الأشخاص الذين تم ضبطهم من قبل عناصر جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب“، 5 ديسمبر 2021.
[ix] المنظمة الدولية للهجرة: “تقرير المنظمة الدولية للهجرة عن النازحين والعائدين في ليبيا“، يوليو – سبتمبر 2021، الجولة رقم 38. ظلّ الوضع العام في ليبيا مستقرّا منذ أن تمّ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النّار في يوم 23 أكتوبر 2020 ولم يتم الإبلاغ عن أيّة حركات نزوح كبرى خلال هذه السنة، فيما تواصل نسق عودة الأسر النازحة مسبقا إلى مناطقها الأصلية. ومنذ شهر يونيو من سنة 2020، عندما تم تسجيل أعلى أرقام للنازحين في ليبيا 425 ألف فرد نازح، إلى غاية شهر سبتمبر من سنة 2021، عندما عاد أكثر من نصف عدد النازحين سابقا إلى مناطق أصلهم. إلاّ أنّه مع نهاية شهر سبتمبر من سنة 2021، يستمرّ نزوح 199.949 فردا في ليبيا على الرغم من توقّف الأعمال العدائية والتحسّن العام في الوضع الأمني العام.
[x] منظمة هيومن رايتس ووتش: “ليبيا: عائلات بنغازي النازحة تُمنع من العودة | تعذيب، إخفاء، واستيلاء على الممتلكات“، 1 فبراير 2018.
[xi] المنظمة الدولية للهجرة: “تقرير المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا عن المهاجرين“، يوليو – سبتمبر 2021، الجولة رقم 38. أحصت مصفوفة تتبع النزوح في ليبيا وجود إجمالي 610.128 مهاجرا ينحدر أصلهم من أكثر من 44 جنسية وذلك في بلديات ليبيا الـ 100 وخلال ما بين شهري يوليو وسبتمبر من سنة 2021 وفي إطار الجولة 38 من تجميع البيانات. استمرّ عدد المهاجرين في الارتفاع خلال الفترة المشمولة بالتقرير على نفس منوال النّسق الذي بدأ في شهر يناير من سنة 2021. غير أنّ عدد المهاجرين في ليبيا لا يزال أدنى من الأعداد المسجّلة في فترة ما قبل انتشار الجائحة. وقبل مطلع سنة 2021، تناقص عدد المهاجرين في ليبيا تدريجيا على إثر بداية وباء كوفيد 19 والتباطؤ الاقتصادي الذي أفضى إلى ارتفاع نسبة البطالة، انخفاض فرص العمل المتوفّرة وتشديد المراقبة الأمنية علاوة على القيود المفروضة على التنقّل.
[xii] الأمم المتحدة: “يوم حقوق الإنسان، 10 ديسمبر“. اقتباس. “تتمتع حقوق الإنسان بالقدرة على معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء النزاعات والأزمات، من خلال معالجة المظالم، والقضاء على عدم المساواة والإقصاء والسماح للناس بالمشاركة في صنع القرارات التي تؤثر على حياتهم. والمجتمعات التي تحمي وتعزز حقوق الإنسان للجميع هي مجتمعات أكثر قدرة على المواجهة والصمود، ومجهزة بشكل أفضل من خلال حقوق الإنسان، للتصدّي للأزمات غير المتوقعة مثل الأوبئة وآثار أزمة المناخ. ويُعتبر كلٌّ من المساواة وعدم التمييز أساسيًا للوقاية، فإعمال حقوق الإنسان للجميع يضمن حصولهم على فوائد حقوق الإنسان في مجال الوقاية، ولكن عندما يتم استبعاد أشخاص أو مجموعات معينة من الأشخاص أو يواجهون التمييز، تؤدّي عدم المساواة حتمًا إلى دوّامة من النزاعات والأزمات”.