اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري
يوافق اليوم الثلاثاء 30 اغسطس اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري[1] الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010.
وتمر هذه الذكرى على ضحايا الاختفاء القسري في ليبيا وأحبابهم وأهلهم يعيشون بين الأمل واليأس، الأمل في عودتهم واليأس بسبب طول غيابهم وانقطاع أنبائهم وعدم اهتمام السلطات بمعاناتهم، وهذا انتهاك مستمر لحقوق الغائب وحقوق ذويه[2]. جرائم الاخفاء القسري تتنامى[3] في ظل الانفلات الأمني وفشل السلطات الرسمية في اتخاذ خطوات عملية لوضع حد لهذه الممارسات. في كثير من الحالات عندما يتعرض الشخص في ليبيا للاعتقال التعسفي، يظل لفترة قد تمتد لأشهر في عزلة عن العالم الخارجي، بدون أن يتمكن من التواصل مع أسرته أو تعلم أسرته مصيره، تصل حد الاخفاء القسري.
فشل الحكومات المتعاقبة، منذ سقوط النظام السابق في أغسطس 2011، في أداء واجبها ومسؤوليتها الرئيسة تجاه مواطنيها، مسؤولية الحماية، دفع ويدفع ثمنه الأبرياء من مواطنين ووافدين. وفقاً لأحدث تقرير[4] للهيئة العامة للبحث والتعرف عن المفقودين (الهيئة) أنه وحتى شهر يونيو من هذا العام 2022 بلغ عدد المفقودين في ليبيا والمسجلين بالهيئة 501’3 شخص، وأنها تعاملت مع 603’1 جثة منذ عام 2011، تم تحديد هوية 152 ضحية.
وها هي المقابر الجماعية في الحقول المحيطة بمدينة ترهونة تكشف – منذ شهر يونيو 2020، عندما انسحبت المليشيات الموالية للواء المتمرد خليفة حفتر من المدينة – حجم الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها مليشيا الكانيات. وفقاً لتقرير الهيئة أنه وحتى شهر يونيو الماضي تم التعامل مع 247 جثة من مدينة ترهونة وضواحيها[5]، وأنه تم تحديد هوية 152 ضحية منها، من بينها 121 ضحية من مدينة ترهونة. ووفقا لتقرير الهيئة، عدد البلاغات للمفقودين في حرب مدينة ترهونة بلغت 400 بلاغ، من بينها 260 بلاغ من مدينة ترهونة.
إن الاختفاء القسري “يعتبر انتهاكا خطيرا وصارخا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية” [6]، فهو “يحرم الشخص الذي يتعرض له، من حماية القانون، وينزل به وبأسرته عذابا شديدا [7]. وهو ينتهك قواعد القانون الدولي التي تكفل، ضمن جملة أمور، حق الشخص في الاعتراف به كشخص في نظر القانون، وحقه في الحرية والأمن، وحقه في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة. كما ينتهك الحق في الحياة أو يشكل تهديدا خطيرا له” [8].
يتعلل بعض مرتكبي جرائم الانتهاكات بالظروف الاستثنائية وانعدام الاستقرار السياسي وحالة الحرب التي تعيشها ليبيا، إلا أن الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري[9] تنص في المادة الأولى، الفقرة 2، على أنه “لا يجوز التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري“.
كما أن الاختفاء القسري، وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، يعتبر جريمة ضد الإنسانية عندما يُرتكب ضمن هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين، ولا يخضع بالتالي لقانون التقادم. وفضلا عن ذلك، فإن لأسر الضحايا الحق في طلب التعويض، والمطالبة بمعرفة الحقيقة فيما يتصل باختفاء أحبائهم.
منظمة التضامن تدعو جميع الأطراف المتنازعة بعدم استخدام الاختفاء القسري كأداة من أدوات الحرب، وتطالبها بالإفراج الفوري عن المختطفين لديها دون شرط أو قيد وتُذَكِرُها بأن الاختفاء القسري يعد جريمة ضد الإنسانية[10]، حيث نص نظام روما الأساسي في مادته السابعة الفقرة (1/ط) على أن الاختفاء القسري جريمة من الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم[11].
وتنص المادة السادسة (الفقرة 1/أ) من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري[12] على تجريم “كل من يرتكب جريمة الاختفاء القسري، أو يأمر أو يوصي بارتكابها أو يحاول ارتكابها، أو يكون متواطئا أو يشترك في ارتكابها”، كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة أنه “لا يجوز التذرع بأي أمر أو تعليمات صادرة من سلطة عامة أو مدنية أو عسكرية أو غيرها لتبرير جريمة الاختفاء القسري”. ويجرم قانون العقوبات الليبي جريمة الإخفاء القسري[13] ويعاقب عليها بالسجن، وفقا للقانون رقم (10) لسنة 2013 “بشأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز”.
كما توجه التضامن ندائها إلى السلطات الليبية، المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية؛
- اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لإنهاء هذه الظاهرة، وتذكرها بأنه وفقا للقوانين الليبية والدولية كل شخص محروم من حريته يجب أن يكون في مكان حجز معترف به رسميا وأن يمثل أمام القضاء دون تأخير،
- التوقيع على “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري” لتعزيز حقوق الإنسان في ليبيا، و
- تجديد الدعوة[14] إلى الفريق المعني بحالات الاختفاء القسري لزيارة ليبيا في أقرب وقت ممكن.
منظمة التضامن لحقوق الإنسان
طرابلس – ليبيا
30 أغسطس 2022
[1] الأمم المتحدة: “اليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، 30 آب/أغسطس“.
[2] مأساة ضحايا الاختفاء القسري قائمة في ليبيا منذ أربعة عقود، فلا يزال مصير المئات ممن غيبهم نظام القذافي، أمثال جاب الله حامد مطر والدكتور عمرو النامي وعزات المقريف والمئات من ضحايا مذبحة سجن أبو سليم، مجهولا. وكذلك لا يزال مصير عضو مجلس بلدية بنغازي المنتخب عصام الغرياني، ورئيس قسم البحث الجنائي ببنغازي المقدم عبد السلام المهدوي، والناشط السياسي عبد العز بانون، والأمين العام لهيئة علماء ليبيا الدكتور نادر العمراني، والشاب وائل المالكي الذي اختفى بالقرب من بيت أسرته عام 2014 وكان آنذاك يبلغ من العمر 17 عاما، وغيرهم من مئات ضحايا الاختفاء القسري في السنوات التي تلت سقوط النظام السابق، لا يزال مصيرهم مجهولا.
[3] في عام 2017 وثقت التضامن لحقوق الإنسان 332 ضحية جديدة من ضحايا الاختفاء القسري، وفي عام 2018 وثقت التضامن 247 ضحية جديدة، وفي عام 2019 وثقت التضامن 344 ضحية جديدة، وفي عام 2020 وثقت التضامن 106 ضحية جديدة، وفي عام 2021 وثقت التضامن 279 ضحية جديدة لتنضم الى مئات الضحايا الذين اختفوا في السنوات السابقة. منظمة العفو الدولية في تقرريها “ليبيا: “اختفوا عن وجه الأرض”: مدنيون مختَطفون في ليبيا” بتاريخ 5 أغسطس 2015 نقلت عن جمعية الهلال الأحمر الليبي أن “ما لا يقل عن 378 شخصا من أصل 626 حالات اختفاء قسري سجلها الهلال الأحمر لازال مصيرهم آنذاك مجهول منذ اعتقالهم في فترات متفاوتة منذ 2011”.
[4] تحصلت منظمة التضامن على نسخ من تقرير للهيئة، نسخة منه مرفقة بهذا التقرير.
[5] أعمال الحفر وانتشال الجثامين لا زالت مستمرة. 27 يوليو 2022: أعلنت الهيئة العامة للبحث والتعرف عن المفقودين “عن استخراج عدد ( 4 ) جثث من مقبرة الداوون وعدد ( 1 ) جثة واحدة من مقبرة العوامر بمدينة ترهونة بناء على بلاغ من النيابة العسكرية مسلاته” (الرابط). 9 أغسطس 2022: أعلنت الهيئة عن “استخراج جثمان واحد مجهول الهوية من مقبرة فردية بالمشروع الزراعي (5 كيلو) بمدينة ترهونة” (الرابط). 22 أغسطس 2022: أعلنت الهيئة عن “استخراج عدد ( 7 ) جثث مجهولة الهوية من احد المواقع بالمكب العام بترهونة” (الرابط).
[6] قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 133 الدورة 47: “الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري”، الفقرة الأولى من المادة الأولى، 12 فبراير 1993.
[7] نموذج للعذاب الذي يتعرض له ضحايا الاختفاء القسري، جريمة اختطاف وقتل أطفال أسرة الشرشاري من مدينة صرمان. يوم 7 أبريل 2018 تم العثور على رفات أبناء عائلة الشرشاري بعد مضي قرابة ثلاثين شهرا على اختفائهم، بعد أن اختطفتهم عصابة من المجرمين يوم 2 ديسمبر 2015. أسرة الأطفال الثلاثة [ذهب رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 9 أبريل 2004)، عبد الحميد رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 27 مايو 2007)، ومحمد رياض الشرشاري (تاريخ الميلاد 15 فبراير 2009)] ظلت تعاني طوال فترة اختفائهم على أمل عودة أطفالها الأبرياء لتكتشف أن العصابة المجرمة قامت بقتلهم بعد اختطافهم ببضعة أسابيع. منظمة التضامن لحقوق الإنسان: “بيان منظمة التضامن بشأن العثور على رفات أبناء الشرشاري“، 7 أبريل 2018.
[8] الفقرة الثانية من المادة الأولى من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (133/47).
[9] الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، 20 ديسمبر 2006.
[10] ديباجة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (133/47): “وإذ ترى [الجمعية العامة] أن الاختفاء القسري يُقوض أعمق القيم رسوخاً في أي مجتمع ملتزم باحترام سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن ممارسة هذه الأفعال على نحو منتظم يعتبر بمثابة جريمة ضد الإنسانية”.
[11] نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المعتمد في روما في 17تموز/ يوليه 1998.
[12] الأمم المتحدة، مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان: “الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، 20 ديسمبر 2006.
[13] قانون رقم (10) لسنة 2013 “بشأن تجريم التعذيب والاخفاء القسري والتمييز“، المؤتمر الوطني العام، 14 أبريل 2013. المادة (1) “الاخفاء القسري” الفقرة (1) ” يعاقب بالسجن كل من خطف إنساناً أو حجزه أو حبسه أو حرمه على أي وجه من حريته الشخصية بالقوة أو بالتهديد أو بالخداع. “.
[14] لقد وجهت الحكومة الليبية، الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الرحيم الكيب، دعوة مفتوحة لجميع الإجراءات الخاصة بحقوق الإنسان، فرق العمل الخاصة والمقررين الخاصين والخبراء، التابعة لمكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، لزيارة ليبيا خلال كلمته التي ألقاها أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف خلال الدورة الاعتيادية للمجلس رقم (19) 27 فبراير – 23 مارس 2012.
تقرير الهيئة العامة للبحث والتعرف عن المفقودين
(تاريخ التقرير شهر يونيو 2022)