الأخبارمنوعات

منظمة التضامن لحقوق الإنسان تحذر من كارثة إنسانية نتيجة تنامي أعداد المهاجرين في مراكز الاحتجاز في ليبيا

تضاعف عدد المهاجرين غير النظاميين المحتجزين في مراكز الإيواء، التي يديرها “جهاز الهجرة غير الشرعية”، خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث وصل حسب تقرير[i] منظمة الهجرة الدولية إلى 9300 مهاجراً [ii]، فيما لا تتوفر أي معلومات عن أعداد المهاجرين في المقار التي تديرها المليشيات المسلحة أو عصابات التهريب.

هذا النمو المضطرد في أعداد المهاجرين المحتجزين في ليبيا تزامن مع انخفاض في أعداد المهاجرين الواصلين إلى إيطاليا[iii]، حيث سجلت وزارة الداخلية الإيطالية[iv] هذا العام وصول 11400 شخصا جاؤوا إليها من ليبيا، وهو رقم أقل بـ 80% مقارنةً مع الأعداد المسجلة خلال نفس الفترة من عام 2017. كما يتزامن مع انخفاض في تدفق المهاجرين إلى ليبيا[v]، وتنامي جهود برنامج[vi] “العودة الإنسانية الطوعية” الذي تنفذه المنظمة الدولية للهجرة.

منظمة التضامن تعرب عن قلقها من تنامي أعداد المهاجرين في مراكز الاحتجاز الرسمية، الذي يشكل ضغوطاً كبيرة على هذه المراكز[vii] وإداراتها، التي تعاني أساسا من مشاكل في المرافق[viii] والرعاية[ix]، وبعضها غير مناسب أو مؤهل لأن يكون مرفق احتجاز. إن اكتظاظ المراكز بالمهاجرين ـ بعض المراكز يوجد بها مهاجرون أكثر من ضعف قدرتها الاستيعابية[x]ـ يقلل من إمكانية فصل المرضى المصابين بأمراض شديدة العدوى، وفي ظل ضعف الرعاية الطبية ونقص كمية الطعام وتدني قيمته الغذائية فإن هذه الظروف تخلق بيئة لانتشار الأمراض وتعرض صحة وحياة المهاجرين والعاملين في المراكز للخطر. كذلك باكتظاظ المراكز يصعب ضمان فصل القصر (الأطفال) غير المصحوبين [xi]، عن البالغين.

إن السياسات والبرامج التي اتخذتها وتنفذها السلطات الليبية بشراكة مع الاتحاد الأوروبي، هي سياسات لا تعالج مشكلة الهجرة وتدفق المهاجرين، كما أنها سياسات غير مستدامة وستؤدي إلى تأزيم الوضع وربما كارثة إنسانية في ظل الظروف الاستثنائية التي تواجهها الدولة الليبية. إن السلطات الليبية ليست لديها القدرة بمفردها على معالجة هذه المشاكل المتفاقمة، ويجب على المجتمع الدولي، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، مراجعة سياساتها واستراتيجياتها لمعالجة الهجرة معالجة حقيقية، كما أن إغلاق الأبواب أمام الهجرة الآمنة ليس حلاً، بل هو سياسة غير أخلاقية لا تحترم حقوق الإنسان ولا حقه في الحياة، وتدفع المهاجرين الى المخاطرة بحياتهم[xii] وتلقي بهم في أحضان عصابات الاتجار بالبشر[xiii].

إذا كانت أوروبا ترى أن النظر في طلبات الهجرة واللجوء قبل أن تطأ أقدام المهاجرين أراضيها هو جزء من الحل، فعليها أن تقوم بهذه الإجراءات عبر قنصلياتها أو مراكز متخصصة في بلدان المصدر[xiv]،( أوطان المهاجرين)، لا أن تقوم بتسويق إنشاء مراكز لجوء في ليبيا لتقوم بدراسة هذه الطلبات فيها. إن إنشاء مراكز لتقديم طلبات اللجوء والهجرة إلى أوروبا في ليبيا، سيدفع بالمزيد من البشر إلى التدفق الى ليبيا.

كما يجب على كل الأطراف في ليبيا (مسؤولين وعموم المجتمع) التعاون من أجل معالجة أسباب تنامى عدد المهاجرين عبر ليبيا؛ إن المليشيات والعصابات التي تقوم باحتجاز المهاجرين في مقار غير رسمية في ليبيا والتي تقوم بالتهريب من شواطئ ليبيا هي مليشيات وعصابات ليبية[xv]، ومن ثم فإن مكافحة شبكات التهريب والاتجار بالبشر في ليبيا هي مسؤولية كل أسرة وقرية ومدينة يشارك أبناؤها في هذه الشبكات.

[i] International Organization for Migration: “IOM Voluntary Humanitarian Returns Continue in Libya as Number of Detained Migrants Soars”, 10th August 2018.

[ii]  حسب تقرير منظمة الهجرة، حدث ارتفاع مثير للقلق في عدد اللاجئين والمهاجرين الذين تم اعتراضهم في البحر وعادوا إلى ليبيا، حيث تضاعف الرقم تقريبا من 5500 إلى 9300 بين عامي 2017 و 2018 في مراكز الاحتجاز الرسمية، بعد أن انخفض عددهم خلال عام 2017 بخمسة أضعاف، بسبب جهود المنظمة الدولية للهجرة للإسراع بإعادة المهاجرين إلى أوطانهم وإغلاق مراكز الاحتجاز. المرجع نفسه.

[iii]  هذا الانخفاض في أعداد المهاجرين، الواصلين الى إيطاليا بحراً، وتنامي أعدادهم في مراكز الاحتجاز في ليبيا ؛هو نتيجة للسياسات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي منذ عام 2016، والحكومة الإيطالية بشكل خاص خلال الأشهر الأخيرة، من إغلاق موانئها أمام أي سفن تحمل مهاجرين تم اعتراضهم أو إنقاذهم في عرض البحر، وكذلك تزايد نشاط عمليات الاعتراض والإنقاذ التي يقوم بها خفر السواحل الليبية.

[iv]  يورونيوز: “منظمة الهجرة الدولية تحذر من ارتفاع أعداد المهاجرين المحتجزين في ليبيا“، 18 يوليو 2018.

[v]  حساب بعثة منظمة الهجرة الدولية في ليبيا على موقع (Twitter)، 17 يوليو 2018.

[vi]  برنامج العودة الإنسانية الطوعية: تم عودة 10950 مهاجر عن طريق الجو (9636 رحلات طائرات مستأجرة، 1314 على متن رحلات تجارية) إلى بلدانهم مباشرة من ليبيا، فيما عاد 2175 مهاجر الى بلدانهم بعد ان تم ترحيلهم من ليبيا الى النيجر. المرجع نفسه.

[vii]  وخاصة المراكز المتواجدة خارج العاصمة طرابلس، التي لا تحظى بمثل الدعم والاهتمام الذي تحظى به المراكز المتواجدة في العاصمة. بعض المراكز خارج طرابلس تشتكي من عدم قيام المسؤولين في طرابلس بتوفير الاحتياجات الأساسية وكثيرا ما يعتمدوا على مساعدة المنظمات المحلية للفت انتباه المسؤولين في طرابلس إلى متطلبات عاجلة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتوفير الرعاية الطبية لحالات حرجة.

[viii]  من خلال زيارات وتقارير ميدانية أغلب المراكز لا تتوافر فيها العدد الكافي من دورات المياه، وتفتقر للتهوية والتدفئة.

[ix]  من خلال زيارات ميدانية لاحظنا شح كبير في كمية الطعام في المراكز وتدني قيمته الغذائية. كما أن المراكز لا توفر حليب للأطفال الرضع ولا الدواء للمرضى.

[x]  وردت للتضامن تقارير من خلال زيارات ميدانية لبعض المراكز خلال شهر يوليو الماضي: مركز القدرة الاستيعابية التقديرية له 215 فرد بينما العدد المحتجز فيه كان 443 مهاجر، مركز آخر القدرة الاستيعابية التقديرية له 150 فرد بينما العدد المحتجز فيه بلغ 361 مهاجر، مركز ثالث القدرة الاستيعابية التقديرية له 200 فرد بينما العدد المحتجز فيه كان 259 مهاجر.

[xi]  وفقا لتقرير منظمة الهجرة الدولية، بلغ عدد المهاجرين في ليبيا تقريبا 680 ألف مهاجر، الأطفال كانوا 8% من المهاجرين (أي تقريبا 54 ألف طفل)، ثلثهم (أي تقريبا 18 ألف) كانوا غير مصحوبين. انظر “مصفوفة تتبع النزوح، تقرير الهجرة في ليبيا، الجولة 20، مايو – يونيو 2018 (IOM Displacement Tracking Matrix, Libya’s Migrant Report, Round 20, May – June 2018).

[xii]  بلغ عدد حالات غرق المهاجرون في البحر المتوسط (من الفترة 1 يناير الى 12 أغسطس 2018) 1524 غريق، 998 (65%) غرقوا قبالة السواحل الليبية، 609 منهم غرقوا/فقدوا  في شهري يونيو ويوليو (61%)، المصدر (IOM Missing Migrants Project).

[xiii]  بسبب تشديد أوروبا لضوابط الهجرة وغياب المسارات الآمنة والنظامية المناسبة للهجرة واللجوء، ازدادت صعوبة العبور عبر القنوات غير النظامية، مما أدى ذلك إلى تنامي سوق خدمات المهربين. وتشير تقديرات مكتب الشرطة الأوروبي (اليوروبول) إلى أن “أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين سافروا إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بصورة غير نظامية في عام 2015 استخدموا خدمات التيسير. وتشير تقديرات مكتب اليوروبول أيضا إلى أن معدل دوران رأس المال المتحقق للشبكات الإجرامية الضالعة في تهريب المهاجرين تراوح بين 5 و 6 بلايين يورو في عام 2015″، الأمم المتحدة، مجلس الأمن: “تقرير الأمين العام حول تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل الليبي“، 7 سبتمبر 2016.

[xiv]  وفقا لتقرير منظمة الهجرة الدولية: 57.3% من المهاجرين في ليبيا هم مواطنون من دول الجوار (مصر، السودان، تشاد، النيجر، الجزائر وتونس) (392’485)، مصفوفة تتبع النزوح، تقرير الهجرة في ليبيا، الجولة 20، مايو – يونيو 2018. ووفقا لتقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وصل الشواطئ الإيطالية (18’510) خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2018، 66% منهم انطلقوا من الشواطئ الليبية، و 20% انطلقوا من شواطئ تونس، (UNHCR: Italy Sea arrivals dashboard, July 2018).

[xv]  المجموعات المسلحة والعصابات الاجرامية، في ليبيا، التي تنخرط في تهريب البشر تجني أموال طائلة من هذا النشاط الاجرامي، وبهذه الأموال تزداد هذه الشبكات قوة وتعقيدا، حيث تتمكن من شراء السلاح وتجنيد العناصر وشراء الولاءات واختراق وافساد أجهزة الدولة.  تشير تقديرات الاتحاد الأوروبي إلى أن “أجرة عبور الفرد من شواطئ شمال أفريقيا إلى أوروبا على متن زورق قابل للنفخ تتراوح بين 1000 و 3000 يورو أو أكثر، حسب نوع المركب والخدمات المقدمة. ويقدر أن الربح المتحقق للمهربين من النقلة الواحدة يتراوح بين 70’000 و 400’000 يورو أو أكثر، عند استخدام سفن الصيد. وتهريب المهاجرين ليس مهمة معزولة في حد ذاتها. فالأفراد والشبكات ينخرطون أيضا في أشكال أخرى من النشاط الإجرامي. ووفقا للإنتربول واليوروبول، يمكن أيضا استخدام الشبكات القائمة والهياكل الأساسية واللوجستيات المرتبطة بعمليات التهريب لنقل بضائع أخرى غير مشروعة سرّا، مثل المخدرات أو الأسلحة”، الأمم المتحدة، مجلس الأمن: “تقرير الأمين العام حول تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر في البحر الأبيض المتوسط قبالة الساحل الليبي“، 7 سبتمبر 2016.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى